يحرّكها النسيم! إنّه حينئذ يعرف صدق وعد الله ، وتقع من على بصيرته كلّ الحجب .. فيترك الهزل والاستهزاء الذي قاد الكافرين إلى السؤال عن العذاب واستعجاله .. وهل يستعجل عاقل أمرا إرهاصاته تصنع هذا الصنيع بالطبيعة والوجود من حوله؟!
إن العذاب الإلهي إذا وقع يذهل الإنسان عن كلّ شيء ، وتتقطّع به الأسباب والروابط ، فينسى أقرب المقرّبين إليه بحثا عن الخلاص ، فلا يجد فرصة حتى للسؤال عنهم.
(وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً)
والحميم هو الأقرب للإنسان ، وعدم سؤاله عنه دليل على شدّة الموقف ، وذلك أنّ نفس الإنسان أقرب إليه من كلّ أحد .. وحيث يهتم بها يغفل عن سواها ولو كان أقرب المقربين كالولد والصاحبة. وفي الروايات أنّ الأم يوم القيامة توزن أعمالها فتنقصها الحسنة الواحدة حتى تدخل الجنة أو تصير إلى النار ، فتذهب إلى ولدها تستعطفه وتطلب منه التنازل لها عن حسنة من حسناته فلا يقبل. وقد جاء في الدعاء (بعد صلاة الليل): «يا من لم أزل أتعرّف منه الحسنى ، يا من يغذّيني بالنعم صباحا ومساء ، ارحمني يوم آتيك فردا شاخصا إليك بصري ، مقلّدا عملي ، قد تبرأ جميع الخلق مني ، نعم. وأبي وأمي ومن كان له كدّي وسعيي» (١).
ومن أهمّ ما يقع يومئذ هو رفع الحجب عن المجرمين حتى يروا الحقائق التي عميت عنها أبصارهم وقلوبهم في الدنيا ، كما يرون أيضا أقرباءهم الذين يتهرّبون منهم.
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء صلاة الليل.