رحمة الله ، بل يفعل بقدر وسعه. مثلا : من لم يستطع طولا أن يصلّي قائما فلا يترك صلاته رأسا ، بل يصلّيها عن جلوس ، ومن لم يستطع أن يعارض حاكم السوء فلا يجاريه بقلبه بل يتقيه ظاهرا ويستمر في مقاومته في السر ، وهكذا ..
قال تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (١) ، وقال : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٢) .. والحاصل : أنّ الإنسان حينما يضطر إلى التقوى الممكنة عمليّا لسبب مشروع فهو في الواقع صار إلى التقوى المأمور بها ، لأنّ تقوى الله حقّ تقاته تكون بالتزام أحكامه سواء كانت أحكاما أوّلية أو ثانوية ، وقد لا تحرز التقوى بحق إلّا بشرب الخمر وأكل الميتة والعمل ظاهريا في جهاز الحاكم الجائر ، كما أكّد ذلك الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ لصاحبه علي بن يقطين الذي أراد الاستقالة من رئاسة الوزراء في عهد هارون حيث منعه وبيّن له بأنّ بقاءه هو الواجب المطلوب شرعا.
والآية الكريمة التي نحن بصددها تعبير عن النظرة الواقعية في الإسلام ، وينبغي للحركات الرسالية اعتبارها أصلا من أصول التحرك حيث أنّ النظرة المثالية إلى الشريعة تجعل الأولويات ضحيّة للأمور الثانوية والأصول ضحيّة للفروع.
(وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)
فالمهم إذن ليس الاستماع إلى كلام الله وتوجيهات القيادة الرسالية فقط ، إنّما الأهم هو الطاعة والإتباع ، لأنّ التوجيه لا يؤثّر في الواقع إلّا إذا سلّمنا له وعملنا بمضامينه ، وبالذات تلك التي تتطلب من الإنسان التضحية لأنّها الأصعب ،
__________________
(١) آل عمران / ٢٨
(٢) النحل / ١٠٦