سواه ، وتذكير نوح ـ عليه السلام ـ لقومه بمنائح الله ونعمه يأتي في سياق استثارة عقولهم وضمائرهم التي حجبها الضلال لعلهم يتذكرون الحق ويتبعونه ويعرفون ان تلك النعم من عند الله رب العالمين ، وأنها تدعوا الإنسان الى التسليم بالحق قيما وقيادة ، وبعبارة أخرى : تفرض القيم الأساسية التي تتضمنها رسالات الأنبياء على البشر (عبادة الله وتقواه والطاعة للقيادة الرسالية) الا ان قوم نوح بلغوا من الانحراف عن الحق والجحود ما لا تنفع معهم الموعظة.
(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي)
وهذا لوحده ذنب عظيم ان يرفض الإنسان التسليم لقيادة الحق ، ولأن أحدا لا يستطيع ان يعيش فراغا قياديا فإنهم اتبعوا قيادات الباطل والضلال.
(وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً)
ونستوحي من الآية : انهم كانت تحكمهم طبقة الأغنياء المترفين ، ومن الطبيعي ان يقف هؤلاء ضد دعوة الأنبياء والقيادات الرسالية وطرحهم القيادي لأنهم حريصون على رئاسة المجتمعات والسيطرة على افرادها وخيراتها ومقدراتها ، قال العلامة الطبرسي : اي اتبعوا أغنياء قومهم اغترارا بما أتاهم الله من المال ، فقالوا : لو كان هذا رسولا لكان له ثروة وغنى ، وقيل : اتبع الفقراء السفلة الرؤساء الذين لم يزدهم كثرة المال والأولاد الا هلاكا في الدنيا ، وعقوبة في الآخرة (١) وذلك مما يدلنا الى مدى ارتكاسهم في المادية والشيئية ، إذ اعتبروا الأموال والأولاد مقياسا لاختيار القائد وليس الحق ، وهنا نصل الى فكرة هامة وهي : ان الخطأ الفظيع الذي وقع فيه قوم نوح (ع) أنهم لم يسلكوا السبيل القويم في الحياة مما أدى
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ص ١٣٧