بهم الى الخسران العظيم ، مع انه تعالى فرض على الإنسان ان يختار طريقه تشريعيا وفي الحياة المعنوية والاجتماعية كما يختار طريقه بين فجاج الأرض ومناكبها.
وقد أكد نوح ذنب معصيتهم له بالذات ، فلم يقل مثلا : أنهم لم يعبدوا الله أو لم يتقوه لأن معصية القيادة الالهية في الواقع معصية لله وعنوان كل انحراف وفساد ، وإنما لم يعبدوا ربهم ولم يتقوه لأنهم لا يريدون الطاعة للرسول واتباعه ، بل إن العصيان هنا شامل لعدم استجابتهم للاهداف الثلاثة كلها (عبادة الله وتقواه واتباع القيادة الرسالية) لأنه هنا يعني رفض الدعوة والداعية كلّا وتفصيلا.
والسؤال لماذا يتبع الإنسان المترفين؟ ونجيب : لأنه ينبهر بالمال أو القدرة فيلهث وراء من يملكهما ، لعله يحصل على بعض الفتات من الخبز ، أو تصيبه عزة من عزته ، ولكن الأمر على العكس من ذلك بالضبط إذ المجتمع الذي تشيع فيه هذه الثقافة سوف يصبح فريسة ميسرة للمترفين ، فيمتصون جهوده ويستغلونه استغلالا بشعا ، ولو أننا حققنا في ظاهرة تسلط المستكبرين من أصحاب الثروة والقدرة على المجتمعات والشعوب المستضعفة لوجدناها متأسسة على هزيمة المحكوم نفسيا أمامهم ، ولا يزيد المستضعفين ذلك الا خسارة ، لأنه كلما زاد الانبهار زاد المستكبر استكبارا ، واستغلالا لجهود المستضعفين ، وقمعا لتطلعاتهم المشروعة ، وطبيعي أن من لا يسخر المال من أجل مصالحه الحقيقية سوف يزداد خسارة كلما ازداد مالا ، من هنا قال ربنا سبحانه : (مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) لأن المعنى هنا شامل لخسارة الطرفين التابع والمتبوع ، بينما قد لا يشملهما لو جاء التعبير بما هو مفترض (لم يزدهم) ذلك أنه إذا خسر المتبوع فستنجر الخسارة نفسها على التابع الذي يلحق به في كل شيء.
[٢٢] في قلب الإنسان عقل يتوهج بقيم الصدق والصلاح ، ووجدان يقظ