سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : مالكم؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما ذاك إلّا من شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي (ص) وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر ، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ، فرجعوا إلى قومهم وقالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً) ... حتى نهاية الآية الثانية فأوحى إلى نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «الآية الأولى». ورواه البخاري ومسلم في الصحيح أيضا (١). قال الزمخشري في النفر : جماعة منهم ما بين الثلاثة والعشرة (٢).
والاستماع على الأظهر هو مرحلة متقدمة من السماع حيث يعني التركيز والتدقيق فيما يسمع ، ولقد انبهر النفر من الجن بإعجاز القرآن وعظمة آياته ، انبهارا قادهم إلى التسليم له ، واكتشاف ما هم فيه من الضلال والباطل بنور آياته البينات. وهكذا يجلي الاستماع والتدبّر عظمة القرآن لقارئه. أمّا الذي يهذّه هذّ الشعر ، وينثره نثر الرمل ، أو يكون همّه آخر السورة ، فإنّه لا يتجاوز الحروف والكلمات إلى المعاني المعجزة ، كما تجاوز إليها أولئك الجن.
(فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً)
وهذا الإعجاب يشبه إلى حدّ بعيد إعجاب السحرة بمعجزات موسى ـ عليه السلام ـ ومن ثمّ إيمانهم به ونبذهم للسحر. وحريّ بالإنسان أن يبحث عمّا حملهم على ذلك من القرآن ، وأن يعجب إذا عجب به وليس بهم.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٤٣٠
(٢) الكشاف / ج ٤ ـ ص ٦٢٣.