إنّ الجن كما الإنس لديهم ثقافات ، وبينهم دعاة العلم (السفهاء بحدّ تعبيرهم) وهم يضلونهم دائما عن الحق ، ولكنّهم حينما استمعوا للقرآن وأنصتوا بدا لهم الفرق واضحا بين رسالة الله التي تحمل العلم والهدى ، وبين الثقافات الشائعة عندهم والتي لا تنطوي إلّا على الجهل والضلال. ولعل هذه المفارقة من أهم عوامل الإعجاب بالقرآن إذ استمعوا له.
(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)
أي يعرّف بالحق ، ويرسم للإنسان المنهج السليم الذي يوصله إليه. وإنّ القرآن ليعلّمنا الحق ، وينمّي فينا العقل والضمير وسائر حوافز الخير ، ممّا يدفعنا إلى تطبيق الحقّ بالصورة الأكمل ، وأين تجد هذه في غير كتاب الله؟ هل تجدها في أفكار الفلاسفة الغامضة التي تحتجب وراء الكلمات الكلّيّة لإخفاء الجهل والتناقض ، أم في ثقافة البدائيين والشعراء؟ كلّا ... وهذا ما دفع النفر من الجن إلى الإيمان بالقرآن ونبذ كلّ الأفكار والثقافات الأخرى ، فهم وجدوه وحده الذي يهدي إلى الرشد.
ومع أنّ للرشد معنى عامّا يتسع لكثير من المفردات ، فالقرآن يهدي إلى معرفة الحقائق العلمية ، والسنن الطبيعية ، والأنظمة الحكيمة التي أجراها الله في سائر الحقول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .. إلّا أنّ أعظم الرشد الذي يهدي إليه هو التوحيد باعتباره سنام الهدى وقمّة الرشد.
وقد أشار بعض من المفسرين إلى ذلك ، قال الفخر الرازي : «يهدي إلى الرشد» إلى الصواب ، وقيل إلى التوحيد ، (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) أي ولن نعود إلى ما كنّا عليه من الإشراك به ، وهذا يدل على أنّ أولئك الجن كانوا