مشركين (١).
ولأنّ الهداية لا تتمّ بمجرد معرفة الحق بالضمير والعقل ، بل لا بد من الشجاعة الكافية لنقد الذات ، وتحدي الواقع المنحرف ، وبالتالي تحمّل مسئولية الصراع ضد كلّ باطل ، لذلك بادر الجن إلى الإيمان بالحق من جهة ، ونبذ الباطل بعزيمة الإيمان من جهة ثانية.
(فَآمَنَّا بِهِ)
والإيمان بالقرآن يعني رفضا قاطعا للقوى الأخرى غير الله ، وعزما على المضيّ قدما في طريق التوحيد أنّى كانت التحديات .. وقد فهم النفر من الجن الإيمان بهذه الكيفية وعزموا على رفض الأنداد المزعومين فقالوا :
(وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً)
وهذا يعني الاستعداد لدخول الصراع ، والاستقامة على الحق ، وتقديم التضحيات من أجل الإيمان وقيمة التوحيد ، وكذلك ينبغي أن يكون كلّ من يختار الحق ، فالرشد غاية يجب أن يسترخص المؤمنون في سبيلها كلّ شيء ، كما فعل السحرة (عند مواجهة عصا موسى) إذ ألقوا ساجدين ، وتوجّهوا إلى فرعون بخطاب الرفض والتحدي : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٢) ، وقدّموا أنفسهم قرابين في طريق ذات الشوكة ، حيث قطع فرعون أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وصلبهم في جذوع النخل صبرا.
ونفي الجن القاطع المؤبّد بأنّهم لن يشركوا ربما يهدينا إلى وجود قوى تضغط
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٥٤.
(٢) طه / ٧٢.