[١٥ ـ ١٦] هكذا يرفع الله مياه البحر بعد تحليتها إلى عنان السماء ، ويبسطها في صورة السحب المتراكمة فوق مساحات شاسعة ، ثم يسوقها إلى حيث يشاء من الأرض فيسقيها ، لكي لا يبقى سهل أو جبل إلّا وتشمله بركاتها .. ثم إنّها تصفّي الجو من الأدران والغبار ، وتساعد في قتل الجراثيم. أمّا على الأرض فينبت الله بها ألوانا من المواد الغذائية كالحبوب التي تشكّل أهم مصدر للغذاء عند البشر فالخضروات ثم الثمار.
(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً)
أرأيت البساتين والغابات كيف تلتف أشجارها ببعضها؟ إنّها من بركات الغيث.
إنّ هذا النظام الذي لا نجد فيه ثغرة أو فراغا ، ويمتد من أعماق الفضاء حيث تشع الشمس بوهجها ، إلى كفّ المحيطات حيث تتبخّر بفعل الحرارة ، وإلى الصحاري المترامية حيث تنبت الأرض زرعا وشجرا. أليس يهدينا هذا النظام إلى وحدة التدبير وحكمة المدبّر؟! أفلا نؤمن بقدرته على أن يعيدنا للحساب؟ وهل من المعقول أن يترك ربنا الحكيم خلقه سدى؟
[١٧] لا نجد في أيّ بقعة من أطراف الخليقة ثغرة أو تفاوتا إلّا فيما يتصل بهذا الإنسان الذي سلّطه الله على الطبيعة ، وأكرمه بالعقل والحرية ، فقد أخذ يعيث في الأرض فسادا ، فهل يعقل أن يكون ذلك من عجز؟ وهل يعجز ربّ السموات والأرض شيء؟ أم سوء تدبير؟ ولا نجد في تدبيره شينا أو نقصا. أم ما ذا؟ يهدينا التفكر في كلّ ذلك إلى أنّ هذا الإنسان الذي هو محور حكمة الخلق وهدف سائر ما في العالم لم يكن ليخلق بلا حكمة ، فما هي حكمة خلقه؟ فإذ لا نجد ذلك في الدنيا نهتدي (بنور العقل) إلى أنّها تتحقق في يوم الفصل.