السلام حتى أنزله بالتل الأبيض الذي عليه الآن قلعة حلب المحروسة ، حماها الله من الغير والآفات ، فاستوطنها وطابت له مدة ، ثم أمر بالمهاجرة إلى الأرض المقدسة فخرج منها ، فلما بعد عنها ميلا صلى هناك. والآن يعرف المكان بمقام الخليل قبلي حلب ؛ فلما أراد الرحيل التفت إلى مكان استيطانه كالحزين الباكي لفراقها ؛ ثم رفع يديه وقال : اللهم طيب ثراها وهواءها وماءها وحببها لأبنائها. فاستجاب الله دعاءه فيها وصار كل من أقام في بقعة حلب ولو مدة يسيرة أحبها ، وإذا فارقها يعز ذلك عليه ، وربما إذا فارقها التفت إليها وبكى. وهذا نقله الصاحب كمال الدين بن العديم (١٧٨) في تاريخه المسمى بتاريخ حلب (١٧٩).
__________________
(١٧٨) ابن العديم : كمال الدين أبو القاسم عمر بن احمد بن هيبة الله بن أبي جرادة العقيلي المعروف بابن العديم (ت ٦٦٠ ه / ١١٩٢ م) مؤرخ وفقيه سوري. نشأ في حلب من اصل بصري ، وكان أفراد قبيلته قد تركوا البصرة إثر وباء في القرن التاسع الميلادي واستقروا في حلب واشتغلوا فيها بالتجارة. وقد درس كمال الدين في حلب ودمشق والقدس ، وطاف ببعض مدن العراق وشبه الجزيرة العربية ، ثم عاد إلى حلب وخدم فيها الأميرين العزيز والناصر الأيوبيين ، وذهب في سفارة لهما إلى القاهرة. ولما استولى التتار على حلب ، استقر ابن العديم في القاهرة وتوفي بها. ويشتهر ابن العديم بمؤلفه (بغية الطلب في تاريخ حلب) الذي يقع في ٤٠ جزءا و ١٠ مجلدات ، والمرتب على حروف المعجم. وقد اختصر ابن العديم كتابه في (زبدة الطلب في تاريخ حلب) ، الذي أكمل بعد وفاته.
(١٧٩) أهم أعمال ابن العديم : (بغية الطلب في تاريخ حلب) الذي يقع في ٤٠ جزءا و ١٠ مجلدات ، والمرتب على حروف المعجم. وقد اختصر ابن العديم كتابه في (زبدة الطلب في تاريخ حلب) ومن يقرأ" بغية الطلب" يدرك عظمة ابن العديم ، فيرى فيه أعظم مؤرخ أنجبته بلاد الشام بلا منازع ، وبلا شك علما بارزا للغاية بين أعلام فن التأريخ الإسلامي أما زبدة الحلب ، من تاريخ حلب فمرتب على السنين والكتاب جزءان : يتناول الأول الحوادث من سنة ١ ـ ٤٥٧ ه ، ويتناول الثاني الحوادث من ٤٥٧ ـ ٥٦٩ ه. وقد بسط ـ في هذا الجزء ـ " حال حلب بل سوريا الشمالية ، في عهد المرادسيين والعقيليين ، وتحدث عن ملكشاه ، ورضوان بن تتش ، وألب أرسلان ، وايلغازى ابن ارتق ، وعماد الدين الزنكى ، ونور الدين محمود .... والكتاب ـ على إيجازه ـ ثمين لأنه سجل كل ما وقع ... فقد جعله لسورية الشمالية ،