نصيبين (١٨٦) : مدينة حسنة في مستوى من الأرض ، وماؤها يشق دورها وقصورها. وإليها ينسب الورد النصيبي ، وبها عقارب قتالة. وبأرض الأرمن النهران الكبيران المشهوران ، وهما نهر الرأس ونهر الكرج المعروف بالكر ، ومسيرهما من المغرب إلى المشرق ، وعليهما مدن كثيرة وقرى متصلة من الجانبين. وبأرض الأرمن بركة فيها سمك كثير وطير عظيم ، وماؤها غزير عميق ، ويقيم بها الماء سبع سنين متوالية ، وينشف منها سبع سنين أيضا ثم يعود الماء. وهذا دأبه أبدا ، وبها جبل يسمى غرغور ، وفيه كهف وفي الكهف بئر بعيدة القعر إذا رمي فيها حجر يسمع لها دوي كدوي الرعد ثم يسكن ولا يعلم ما هو. وفي هذا الجبل معدن الحديد المسموم ، متى جرح به حيوان مات في الحال.
__________________
(١٨٦) نصيبين : كانت هذه المدينة تشكل مفصلا" بين الامبراطوريات ، بل بين حضارات مختلفة ، فتاريخ نصيبين حافل بالأحداث ، يحمل غير دلالة وعبرة ، ان من ناحية صراع الأمراء والدويلات للسيطرة على المنطقة او من ناحية أهمية الموقع الاقتصادي والعسكري الذي أغرى به الأمراء والأمم. وقد كانت قبل الفتح الاسلامي وبعده منارة علم يهتدي بنورها رواد الثقافة ، بما عرف عن مدرستها الشهيرة وما أخرجته من طلاب وعلماء وأساتذة أما بالنسبة للموقع الجغرافي بنصيبين ، فقد ذكر للمرة الأولى على لوحة مسمارية محفوظة في متحف لندن ، في سياق الحديث عن حروب دارت سنة ٦١٢ ق. م. بين الأشوريين من جهة والماديين من جهة ثانية ، كما يبدو أن هناك أكثر من موقع يسمى نصيبين (قرية من قرى حلب) ، (تل نصيبين) أيضا" من نواحي حلب ، نصيبين على شاطىء الفرات شمال حران تعرف بنصيبين الروم ، وهي اليوم داخلة في الأراضي التركية وقريبة من مدينة القامشلي السورية وهذا يدل على أن نصيبين مدينة موغلة في القدم ، وذلك بسبب الآثار الموجودة فيها (أنظر : القلقشندي : صبح الأعشى في صناعة الانشاء ، الجزء الرابع ص : ٣٢١ ، اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، الجزء الول ص : ٨٥ ، الاصطخري. المسالك والممالك. ص : ٥١ ـ ٥٢).