وكانت بغداد في أيام البرامكة (١٩٢) مدينة عظيمة يقال إن حماماتها حصرت في وقت من الأوقات فكانت ستين ألفا. وكان بها من العلماء والوزراء والفضلاء والرؤساء والسادات ما لا يوصف. قال الطبري في تاريخه : أقل صفة بغداد أنه كان فيها ستون ألف حمام ، كل حمام يحتاج على الأقل إلى ستة نفر ، سواق ووقاد وزبال وقائم ومدولب وحارس ، كل واحد من هؤلاء في مثل ليلة العيد يحتاج إلى رطل صابون لنفسه ولأهله وأولاده ، فهذه ثلثمائة ألف رطل وستون ألف رطل صابونا برسم فعلة الحمامات لا غير ، فما ظنك بسائر الناس وما يحتاجون إليه من الأصناف في كل يوم؟
__________________
(١٩٢) ترجع أصول البرامكة إلى برمك المجوسي ، وقد كان للبرامكة منزلة عاليه واستحوذوا على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد ، الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي الذي حفظ لهارون الرشيد ولاية العهد بعد ان اراد الخليفة الهادي بخلع هارون الرشيد. أما نكبة البرامكة فمصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل وتشريد ، ومصادرة أموال ، وقد كانوا وزراء الدولة وأصحاب الأمر والسلطان. والنكبة من أهم الأحداث السياسية المؤثرة في حكم هارون الرشيد ، وفي التاريخ السياسي الإسلامي بشكل عام ، إذ أنها كانت حلقة في سلسلة نكبات طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير الخليفة أبو جعفر المنصور ، وقتل معظم المقربين من الخلفاء العباسيين ، كآل سهل فيما بعد.