قال معاوية : حدثنا من حديثها ، قال كعب : إن عادا (٢٦٥) الأول كان له ولدان شديد وشداد ، فلما هلك ملكا بعده البلاد ، ولم يبق أحد من ملوك الأرض إلا دخل في طاعتهما. فمات شديد بن عاد ، فملك شداد الملك بعده على الانفراد ، وكان مولعا بقراءة الكتب القديمة ، وكلما مر به ذكر الجنة وما فيها من القصور والأشجار والثمار ، وغيرها مما في الجنة ، دعته نفسه أن يبني مثلها في الدنيا عتوا على الله عز وجل فأصر على ابتنائها ، ووضع مائة ملك تحت يد كل ملك ألف قهرمان. ثم قال : انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها فابنوا لي مدينة من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ولؤلؤ ، واجعلوا تحت عقود تلك المدينة أعمدة من زبرجد وأعاليها قصورا وفوق القصور غرفا مبنية من الذهب والفضة ، واغرسوا تحت تلك القصور في أزقتها وشوارعها أصناف الأشجار المختلفة والثمار وأجروا تحتها الأنهار في قنوات من الذهب والفضة النضار ، فإني أسمع في الكتب القديمة والأسفار صفة الجنة في الآخرة والعقبى وأنا أحب أن أجعل لي مثلها في الدنيا. فقالوا بأجمعهم : كيف نقدر على ما وصفت؟ وكيف لنا بالزبرجد والياقوت الذي ذكرت؟ فقال لهم ، ألستم تعلمون أن ملك الدنيا كلها لي وبيدي وكل من فيها طوع أمري؟ قالوا : نعم ، نعلم ذلك ، قال : فانطلقوا إلى معادن الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والفضة والذهب فاستخرجوها واحتفروا ما بها ولا تبقوا مجهودا في ذلك ، ومع ذلك فخذوا ما في أيدي العالم من أصناف ذلك ولا تبقوا ولا تذروا واحذروا وأنذروا.
__________________
(٢٦٥) عاد : هو عاد بن عوص بن إرم بن سام ، وعاد إرم هم عاد الأولى ، وهم قبل ثمود ، وكان قومه أول من عبدوا الأصنام بعد الطوفان ، وكانوا يقطنون منطقة الشحر على ساحل اليمن ، أعطاهم الله قوة ومالا لكنهم جحدوا بآيات الله فحق عليهم العذاب بريح عاتية (تاريخ الطبري (١ / ٢١٦) ، البداية والنهاية (١ / ٢٠) أخبار الزمان (ص ١٠٤).