وبعد : فإن خالق الخلق والبريئة ، ومن له الإرادة والمشيئة ، قد ميز الملوك والرعاة عمن دونهم من الرعية ، فلذلك قد خصوا بالهمم العلية ، والأخلاق (٦) السامية الزكية ، ورغبوا في الاطلاع على الأمور الغامضة الخفية ، ليكونوا فيما ندبوا له من الاسترعاء على بيضاء نقية ، ويحصلوا من أخبار العالم على الأشياء الصادقة الجلية ، فحينئذ أشار إلى الفقير الخامل من إشارته الكريمة محمولة بالطاعة على الرؤوس ، وسفارته المستقيمة بين الإمام المعظم والسودان الأعظم قد سطرت في التواريخ والطروس وهو المقر الأشرف العالي المولوي الأميني الناصحي السيدي المالكي المخدومي السيفي شاهين المؤيد ، مولانا نائب السلطنة الشريفة بالقلعة المنصورة الجليلة ، أعز الله أنصاره ؛ ورفع درجته وأعلى مناره إن أضع له دائرة مشتملة على دائرة الأرض ، صغيرة توضح ما اشتملت عليه من الطول والعرض ، والرفع والخفض ؛ ظنا منه أحسن الله إليه أني أقوم بهذا الصعب الخطير ؛ وأنا والله لست بذلك ، والفقير في دائرة هذا العالم أحقر حقير. فأنشدت :
إن المقادير إذا ساعدت |
|
ألحقت العاجز بالحازم |
وتوسلت إلى رب الأرباب ومذلل الصعاب ؛ وابتهلت إليه ابتهال المستغيث المصاب. ففتح سبحانة من فيضان لطفه أحسن باب ؛ وسهل بامتناع عطفه ذلك الصعب المهاب ؛ ويسر برأفته ما لم يخطر في بال وحساب ؛ فنهضت مبادرا إلى السجود شاكرا لذي الإنعام والجود. ثم أقبلت على مطالعة حكماء الأنام ، وتصانيف علماء الهيئة (٧) الأعلام ؛ كشرح التذكرة لنصر الدين الطوسي (٨) ، وجعفر الأنبياء
__________________
(٦) الأخلاق : لغة ، جمع خلق ، ، " والخلق والخلق : السجية ، وهو الدين والطبع للمزيد ، أنظر ، لسان العرب (١٠ / ٨٦).
(٧) علم الهيئة : Astronomy : هو علم دراسة الأجرام السماوية أو يعد من أوائل العلوم الطبيعية ظهورا أفقد كان الانسان المبكر مهتما بحركة النجوم والشمس والقمر واستمر هذا الاهتمام حتي العصر الآني.