فلما كان ثالث ليلة وجاء الطائر على عادته وقعد مكانه جئت حتى قعدت عنده من غير خوف ولا دهشة إلى أن نفض جناحيه فتعلقت بإحدى رجليه بكلتا يدي فطار بي إلى أن ارتفع النهار ، فنظرت إلى تحتي فلم أر إلا لجة ماء البحر فكدت أن أترك رجله وأرمي بنفسي من شدة ما لقيت من التعب ، فتصبرت زمانا ، وإذا بالقرى والعمارة تحتي ففرحت وذهب ما كان بي من الشدة ، فلما دنا الطائر من الأرض رميت نفسي على صبرة تبن (٣٣١) في بيدر (٣٣٢) ، وطار الطائر فاجتمع الناس حولي وتعجبوا مني وحملوني إلى رئيسهم وأحضروا لي من يفهم كلامي ، فأخبرتهم قصتي فتبركوا بي وأكرموني وأمروا لي بمال وأقمت عندهم أياما.
فخرجت يوما لأتفرج وإذا أنا بالمركب الذي كنت فيه قد أرسى ؛ فلما رأوني أسرعوا إلي وسألوني عن أمري فأخبرتهم فحملوني إلى أهلي وأقاموا لي بالمال وفوق الشرط ، فعدت بخير وغنى وسلامة.
__________________
(٣٣١) التبن : عصفة الزرع من البر (القمح) ونحوه واحدته تبنة (اللسان ١ / ٤١٩).
(٣٣٢) البيدر : المكان الذي تدرس فيه الغلال ويداس فيه الطعام (اللسان ١ / ٢٢٩).