الرجال والنساء في صعيد واحد ، لا يعرف الرجل من إلى جانبه : أرجل أم امرأة؟ ولا تعرف المرأة من إلى جانبها : أمرأة أم رجل؟ قد شغل كل منهم بنفسه. ثم يوكل الله عز وجل بكل نفس ملكا يسوقها إلى الموقف وشاهدا من نفس ، فالسائق هو الملك الموكل والشاهد جملة أعضائه وجسده. قال : ثم يؤتى بهم إلى أرض المحشر والموقف ، وهي أرض بيضاء من فضة أو كالفضة ، لم يسفك عليها دم حرام ولم يعبد عليها وثن ، يظهرها الله سبحانه بأرض بيت المقدس ، وقد نصبت عليها منابر للأنبياء وكراسي للأولياء والصالحين والشهداء ، ويصف الخلائق على تلك الأرض صفوفا من المشرق إلى المغرب. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أهل الجنة يومئذ مائة وعشرون صفا ، ثمانون من أمتي ، وأربعون من سائر الأمم. ثم تقرب الشمس من رؤوس الخلائق ويزداد في حرها سبعين ضعفا ، وتبرز جهنم وذلك قوله تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى)(٦١٦) فتغلي أدمغتهم في رؤوسهم ، ويرشح العرق من أبدانهم فيسير في الأرض ثم يأخذهم العرق على قدر ذنوبهم : فمنهم من يأخذه إلى كعبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى إبطيه ، ومنهم من يأخذه إلى عنقه ، ومنهم يعوم فيه عوما.
ثم يقومون كذلك ما شاء الله حتى يطول الوقوف ويشتد بهم الكرب ، فيقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى آدم فنسأله أن يشفع فينا إلى ربنا ، فمن كان من أهل الجنة فيؤمر به إلى الجنة ، ومن كان من أهل النار فيؤمر به إلى النار. فيأتون آدم فيقولون : يا آدم قد طال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا ، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها. فيقول آدم : ما لي وللشفاعة؟ ويذكر ذنبه انطلقوا إلى غيري.
__________________
(٦١٦) سورة النازعات : آية ٣٦.