__________________
رقادة مركز المقاومة السنّي ، وأسس مدينة جديدة عرفت باسم" المهدية" في سنة (٣٠٣ ه ـ ٩١٥ م) على طرف الساحل الشرقي لإفريقية (تونس) فوق جزيرة متصلة بالبر ، ولم ينتقل إليها إلا في سنة (٣٠٨ ه ـ ٩٢٠ م) بعد أن استكمل بناءها وتشييدها ، وأقام تحصيناتها ومرافقها المختلفة ، وأصبحت المهدية قلعة حصينة للفاطميين بالمغرب ومركزا لعملياتهم الحربية والبحرية ، وظلت حتى مطالع العصر الحديث أكبر مركز إسلامي للجهاد في البحر المتوسط.
(٨٨) لا يستطيع أحد القطع برأي حاسم في نسب" عبيد الله المهدي" ، فالشيعة الإسماعيلية يؤكدون صحة نسبه إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، في حين يذهب المؤرخون من أهل السنّة وبعض خصوم الفاطميين من الشيعة إلى إنكار نسب عبيد الله إلى علي بن أبي طالب. خرج عبيد الله المهدي من مكمنه في" سلمية" من أرض حمص ببلاد الشام في سنة (٢٩٢ ه ـ ٩٠٥ م) ، واتجه إلى المغرب ، بعد الأنباء التي وصلته عن نجاح داعيته أبي عبد الله الشيعي في المغرب ، وإلحاح كتامة في إظهار شخصية الإمام الذي يقاتلون من أجله ، وبعد رحلة شاقة نجح عبيد الله المهدي في الوصول إلى" سجلماسة" متخفيا في زي التجار ، واستقربها. ومن ملجئه في سجلماسة في المغرب الأقصى أخذ عبيد الله المهدي يتصل سرا بأبي عبد الله الشيعي الذي كان يطلعه على مجريات الأمور ، ثم لم يلبث أن اكتشف" اليسع بن مدرار" أمير سجلماسة أمر عبيد الله ؛ فقبض عليه وعلى ابنه" أبي القاسم" وحبسهما ، وظلا في السجن حتى أخرجهما أبو عبد الله الشيعي بعد قضائه على دولة الأغالبة. وكان أبو عبد الله الشيعي حين علم بخبر سجنهما قد عزم على السير بقواته لتخليصهما من السجن ، فاستخلف أخاه" أبا العباس" واتجه إلى سجلماسة ، ومر في طريقه إليها على" تاهرت" حاضرة الدولة الرسمية فاستولى عليها ، وقضى على حكم الرّستميين ، وبلغ سجلماسة ـ فحاصرها حتى سقطت في يده ، وأخرج المهدي وابنه من السجن. ويذكر المؤرخون أن أبا عبد الله الشيعي حين أبصر عبيد الله المهدي ترجّل وقابله بكل احترام وإجلال ، وقال لمن معه : هذا مولاي ومولاكم قد أنجز الله وعده وأعطاه حقه وأظهر أمره. وأقام أبو عبد الله الشيعي وعبيد الله المهدي في سجلماسة أربعين يوما ، ثم رحلوا عائدين فدخلوا رقادة في يوم الخميس الموافق (٢٠ من شهر ربيع الآخر ٢٩٧ ه ـ ٧ من يناير ٩١٠ م). وخرج أهل القيروان مع أهل رقادة يرحبون بالإمام المهدي ، وفي يوم الجمعة التالي أمر عبيد الله أن يذكر اسمه في الخطبة في كل من رقادة والقيروان ، معلنا بذلك قيام الدولة الفاطمية. استهدف عبيد الله الفاطمي منذ أن بويع بالخلافة واستقامت له الأمور أن يدعم مركزه ، وأن تكون كل السلطات في يديه ، وأن يكون السيد المطلق على الدولة الناشئة والدعوة الإسماعيلية ، وأنشأ دولة بدهائه وذكائه قبل سيفه وقوته. وخاب أمل أهل المغرب في عبيد الله المهدي ، وساء ظنهم به بعد أن ذهبت الوعود التي وعدهم بها أبو عبد الله الشيعي سدى ، فلم ينقطع الفساد