ومن أقاليم جزيرة الأندلس إقليم أشبونة (١٠٠). ومن مدنه أشبونة وهي مدينة حسنة شمالي النهر المسمى باجة ، الذي هو نهر طليطلة. والمدينة ممتدة مع هذا النهر ، وهي على بحر مظلم وبها أسواق قائمة وفنادق عامرة وحمامات كثيرة ، ولها سور منيع ويقابله على ضفة النهر حصن المعدن وسمي بذلك لأن البحر يمتد عند سيحانه فيقذف بالذهب التبر (١٠١) إلى نحو ذلك الحصن وما حوله ، فإذا رجع الماء قصد أهل تلك البلاد نحو هذا الحصن فيجدون به الذهب إلى أوان سيحانه أيضا. ومن أشبونة هذه كان خروج المغرورين في ركوب البحر المظلم الذي في أقصى بلاد الغرب وهو بحر عظيم هائل غليظ المياه كدر اللون شامخ الموج صعب الظهر ، لا
__________________
(١٠٠) أشبونة : يصفها الحميري كالآتي : " بالأندلس من كور باجة المختلطة بها ، وهي مدينة الاشبونة ، والأشبونة بغربي باجة ، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تنكسر أمواجه في سورها ، واسمها قودية ، وسورها رائق البنيان ، بديع الشأن ، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمد من رخام مثبتة على حجارة من رخام وهو أكبر أبوابها ، ولها باب غربي أيضا يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر ، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم ، وباب شرقي يعرف بباب الحمة ، والحمة على مقربة منه ومن البحر ديماس ماء حار وماء بارد ، فإذا مد البحر واراهما ؛ وباب شرقي أيضا يعرف بباب المقبرة. والمدينة في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر ، لها سور وقصبة منيعة ؛ والأشبونة على نحر البحر المظلم ؛ وعلى ضفة البحر من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن ؛ ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك ؛ فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء ، وهو من عجائب الأرض. ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه ، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغرورين ، وذلك أن ثمانية رجال ، كلهم أبناء عم ، اجتمعوا فابتغوا مركبا وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر ، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية ، فجروا بها نحوا من إحدى عشر يوما ؛ فوصلوا إلى بحر غليظ الموج ، كدر الروائح ، كثير التروش ، قليل الضوء ، فأيقنوا بالتلف ، فردوا قلعهم في اليد الأخرى ، وجروا في البحر في ناحية اثنى عشر يوما ؛ فخرجوا".
(١٠١) التبر : فتات الذهب قبل أن يصاغ (المعجم الوسيط ١ / ٨٤).