ومن المدن المشهورة المرية (١٠٦) وكانت مدينة الإسلام في أيام التمكين ، وكان بها من جميع الصناعات كل غريب ، وكان بها لنسج الطرز الحريرية ثمانمائة نول. ولحلل الحرير النفيسة والديباج (١٠٧) الفاخر ألف نول وللسفلاطون كذلك ، وللثياب الجرجانية كذلك ، وللأصبهاني مثل ذلك ، وللعنابي والمعاجر المذهبة الستور
__________________
(١٠٦) ألمريةAlmaria : كانت باب الأندلس عبر امتداد تاريخه ومن خلالها أقام علاقات انسانية وتجارية مع العالم الاسلامي في القرون الوسطى. أسسها المسلمون عند مرسى روماني الأصل مدركين حسنات خليجه الذي يتيح الرسو كيفما جرت الرياح. منحها الخليفة عبد الرحمن الثالث صفة المدينة في سنة ٩٥٥ ، فبني مسجدها الجامع الذي كان يتسع لتسعة آلاف مصلي وأنشأ أسوارها. قلعتها ترجع الى عصر بني أمية وكانت مقرا لامراء وملوك المرية وهي أفضل ما وصل الينا من صروحها ، فموقعها فوق قمة متطاولة لجبل منعزل يشرف على المدينة والخليج جعل منها معقلا حصينا بامتياز. أما أسوار المدينة التي بنيت ما بين القرنين العاشر والحادي عشر فكان يتخللها ما لا يقل عن ثلاثة عشر بابا. جعل المرابطون من ألمرية أهم مركز تجاري وصناعي وملاحي في الأندلس ، فالمدينة كانت تنتج آنذاك كميات كبيرة من الأنسجة لكثرة المناسج المنزلية التي كانت تقوم عليها النسوة. وفي الآن ذاته قادت المرية التمرد الديني ضد المرابطين وغدت مركز للمتصوفة برز فيه ابو العباس احمد بن العارف الذي كان له شأن كبير. سقطت المرية في سنة ١١٤٧ تحت سنابك جيش قشتالة بقيادة الملك الفونسو الثامن وبمساعدة جيوش قدمت من نافارّا وبيزا وجنوة. واستعادة المسلمين للمدينة أعاد مجرى الحياة اليها فعاودت الصلات التجارية مع شمال افريقيا والجمهوريات الايطالية ، لكن شبه الجزيرة بدأت تفقد دورها كموزع للمنتجات ما بين الشرق والغرب ، غير أن عودة المنفيين اليها مثّل دفعا مهما فرمّم المسجد الجامع والقيصرية والترسانات. تبعت المرية في آخر عهودها الاندلسية لمملكة غرناطة قبل أن يستولي عليها النصارى نهائيا في سنة ١٤٨٩.مر بالمدينة وأقام فيها رجالات الفكر والعلوم من قبيل الشاعر ابن شرف والمتصوف ابن مسرّة الذي جعل من المدينة مركزا للنساك ، والشيخ الأكبر ابن عربي المرسي (١٢٠٣ ـ ١١٦٥) الذي مر بها بعد اقامته في المغرب ، والجغرافي احمد بن عمر العذري المولود في بلدة دلايةDallas من كورة المرية والبكري الولبي الذي وضع في المدينة أعمالا مهمة والفيلسوف ابن باجة (راجع الروض المعطار للحميري ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤).
(١٠٧) الديباج : مشتق من الدبج وهو النقش والتزيين وهو فارسي معرب وهو نوع من الأثواب الحريرية (المروج ١ / ٣١٢).