والمكللة بالشرج ، وكان يصنع بها صنوف آلات الحديد والنحاس والزجاج مما لا يوصف. وكان بها أنواع الفاكهة العجيبة التي تأتيها من وادي بجاية ما يعجز عنه الواصف حسنا وطيبا وكثرة ، وتباع بأرخص ثمن ، وهذا الوادي طوله أربعون ميلا في مثلها ، كلها بساتين مثمرة وجنات نضرة وأنهار مطردة وطيور مغردة. ولم يكن في بلاد الأندلس أكثر مالا من أهلها ولا أكثر متاجر ولا أعظم ذخائر ، وكان بها من الفنادق والحمامات ألف مغلق إلا ثلاثين ، وهي بين جبلين بينهما خندق معمور ، على الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة ، وعلى الجبل الآخر ربضها. والسور محيط بالمدينة والربض ، وغربيهن ربض لها آخر يسمى ربض الحوض ، ذو أسواق وحمامات وفنادق وصناعات ، وقد استدار بها من كل جهة حصون مرتفعة وأحجار أزلية وكأنما غربلت أرضها من التراب ، ولها مدن وضياع متصلة الأنهار.
قرطاجنة (١٠٨) : مدينة أزلية كثيرة الخصب ، ولها اقليم يسمى القندوق ، قليل مثله في طيب الأرض ونمو الزرع. ويقال إن الزرع فيه يكتفي بمطرة واحدة.وكانت هذه المدينة في قديم الزمان من عجائب الدنيا لارتفاع بنائها واظهار القدرة فيه ، وبها أقواس من الحجارة المقرنصة ، وفيها من التصاوير والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات ما يحير البصر والبصيرة. ومن عجيب بنائها الدواميس ، وهي أربعة وعشرون داموسا على صف واحد من حجارة مقرنصة طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ستين خطوة ، وارتفاع كل واحد طول مائتي ذراع ، بين كل داموسين أثقاب محكمة تصل فيها المياه من بعضها إلى بعض في العلو الشاهق ، بهندسة عجيبة وإحكام بليغ ، وكان الماء يجري إليها من شوتار وهي عين بقرب القيروان تخرج من جانب جبل ، وإلى الآن يحفر في هدمها من سنة ثلثمائة فيخرج منها
__________________
(١٠٨) الرخام : ضرب من الحجر يتكون من كاربونات الكالسيوم المتبلورة الموجودة في الطبيعة ويمكن صقل سطحه بسهولة (المعجم الوسيط ١ / ٣٤٩).