وطولها من القاعدة إلى الرأس تسع قامات ، ورأسها منقوش مخروم بأحكم صنعة ، وهي مائلة من تقادم الدهور ميلا كثيرا ، لكنها ثابتة ، وبها عمود يقال عمود القمر ، عليه صورة طير يدور مع الشمس.
أرض مصر : وهي غربي جبل جالوت ، وهو إقليم العجائب ومعدن الغرائب ، وأهله كانوا أهل ملك عظيم وعز قديم ، وكان به من العلماء عدة كثيرة وهم متفننون في سائر العلوم مع ذكاء مفرط في جبلتهم وكانت مصر خمسا وثمانين كورة ، ومنها أسفل الأرض خمس وأربعون كورة وفوق الأرض أربعون كورة ، ونهرها يشقها ، والمدن على جانبيه وهو النهر المسمى بالنيل ، العظيم البركات المبارك الغدوات والروحات ، وهو أحسن الأقاليم منظرا وأوسعها خيرا وأكثرها قرى ، وهو من حد أسوان إلى الإسكندرية.
وفي أرض مصر كنوز عظيمة ، ويقال إن غالب أرضها ذهب مدفون ، حتى قيل إنه ما فيها موضع إلا وهو مشغول بشيء من الدفائن. وبها الجبل المقطم وهو شرقيها ، ممتد من مصر إلى أسوان في الجهة الشرقية ، يعلو في مكان وينخفض في مكان. وتسمى تلك التقاطيع منه اليحاميم وهو سود ، ويوجد فيها المغرة والكلس ، وفيه ذهب عظيم ، وذلك أن تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب خالص ، وفيه كنوز وهياكل وعجائب غريبة. ومما يلي البحر الجبل المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يرقاه لملاسته وارتفاعه ، وفيه كنوز عظيمة لمقطم الكاهن (١٣٦) الذي نسب إليه
__________________
(١٣٦) المقطم : قيل سمي باسم مقطم الكاهن كان مقيما فيه لعمل الكيميا. وقال أبو عبد الله اليمني : سمي بالمقطم بن مصر بن بصير وكان عبدا صالحا انفرد فيه لعبادة الله تعالى. وذكر الكندي في كتاب فضائل مصر ما يوافق ذلك : وهو أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سار في سفح المقطم ومعه المقوقس فقال له عمرو : ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام فلو شققنا في أسفله نهرا من النيل وغرسناه نخلا فقال المقوقس : وجدنا في الكتب أنه كان أكثر البلاد أشجارا ونبتا وفاكهة وكان ينزله