وهي مهندسة من كل جانب محددة الأعالي من أواخر طولها على ثلثمائة ذراع. يقولون إن داخل الهرم الغربي ثلاثين مخزنا من حجارة صوان ملونة مملوءة بالجواهر النفيسة والأموال الجمة والتماثيل الغريبة والآلات والأسلحة الفاخرة التي قد دهنت بدهان الحكمة فلا تصدأ أبدا إلى يوم القيامة. وفيه الزجاج الذي ينطوي ولا ينكسر ، وأصناف العقاقير المركبة والمفردة والمياه المدبرة. وفي الهرم الشرقي الهيئات الفلكية والكواكب ، منقوش فيها ما كان وما يكون في الدهور والأزمان إلى آخر الدهر (١٥٠). وفي الهرم الثالث أخبار الكهنة (١٥١) في توابيت صوان مع كل كاهن لوح من ألواح الحكمة وفيه من عجائب صناعاته وأعماله. وفي الحيطان من كل جانب أشخاص كالأصنام تعمل بأيدها جميع الصناعات على المراتب. ولكل هرم منها خازن. وكان المأمون (١٥٢) لما دخل الديار المصرية أراد هدمها فلم يقدر على ذلك فاجتهد وأنفق أموالا عظيمة حتى فتح في أحدها طاقة صغيرة ، يقال إنه وجد خلف الطاقة من الأموال قدر الذي أنفقه لا يزيد ولا ينقص ، فتعجب من ذلك وقال :
انظر إلى الهرمين واسمع منهما |
|
ما يرويان عن الزمان الغابر |
__________________
(١٥٠) الدهر : جمع أوقات متوالية مختلفة وهو مدة الحياة الدنيا كلها (اللسان ، مادة دهر ، والفروق اللغوية ، أبو هلال العسكري ، ص ٢٢٣).
(١٥١) الكهانة : Divination : ادعاء علم الغيب.
(١٥٢) المأمون (الخليفة العالم) (٨١٣ ـ ٨٣٣ ه) : عبد الله أبو العباس بن الرشيد ولد سنة سبعين ومائة في ليلة الجمعة منتصف ربيع الأول وهي الليلة التي مات فيها الهادي واستخلف أبوه. قرأ العلم في صغره ، وسمع الحديث من أبيه وكان أفضل رجال بني العباس حزما وعزما وحلما وعلما ورأيا ودهاء وهيبة وشجاعة وسوددا وسماحة. استقل المأمون بالأمر بعد قتل أخيه سنة ثمان وتسعين وهو بخرسان واكتنى بأبي جعفر. ومات المأمون يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة بالبدندون من أقصى الروم ونقل إلى طرطوس فدفن بها.