ما يبقى عليّ الدهر ، وقصاراي (١) إن أنا ظفرت به وأمكنني ذلك وأسلمته اليمن ، وما أراها تسلمه لأنه لسانها وشاعرها والذابّ عنها والمحامي دونها أن أضربه مائة سوط وأثقله حديدا وأصيره فيّ مطبق (٢) باب الشام وليس فيّ ذلك عوضا مما سار فيّ من الهجاء ، وفي عقبي من بعدي.
قلت : أتراه كان يفعل ويقدم عليك؟ قال : يا عاجز أهون عليه مما لم تكن تراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي نضر الله وجهه ولم يكن يقدم علي؟ قال : قلت : إذا كان الأمر على ما وصف الأمير فقد وفق فيما أخذ عليّ قال : وكان دعبل لي صديقا فقلت : هذا قد عرفته ولكن من أين؟ قال الأمير : إنه مدخول النسب فو الله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة وما أعلم فيها بيتا أكرم من بيته إلّا بيت أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه دنية.
قال : ويحك كان دعبل غلاما خاملا أيام ترعرع لا يؤبه له ، وكان خلّه لا يدرك بقله ، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد إزار لا يملكان غيره شيئا ، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عاريا وإذا أراد الخروج فعل دعبل مثل ذلك ، وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلاصقان يطرح هذا شيئا منه عليه والآخر الباقي ، وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل بن علي هذا الشعر (٣) :
أين الشباب وأيّة سلكا |
|
لا ، أين يطلب؟ ضلّ بل هلكا |
لا تعجبي يا سلم من رجل |
|
ضحك الشيب برأسه فبكا |
|
||
قصر الغواية عن هوى قمر |
|
وجد السبيل إليه مشتركا |
وغدا بأخرى عزج مطلبها |
|
صبّا يطامن دونها الحسكا |
يا ليت شعري كيف نومكما |
|
يا صاحبيّ إذا دمي سفكا |
لا تأخذا بظلامتي أحدا |
|
قلبي فطر في دمي اشتركا |
إلى آخرها (٤) قال : فثقف أوله بعض المغنين فغنّى به هارون الرشيد فاستحسنه جدا واستجاد قوله :
__________________
(١) بالأصل : «قصاياي» والمثبت عن بغية الطلب.
(٢) المطبق : السجن تحت الأرض.
(٣) الشعر في ديوانه ص ٢٤٩ وقد تقدم بعضه قريبا.
(٤) كذا ولم يذكر غيرها في ديوانه.