غلبهم جمالا ولسانا وكانت له غديرتان يسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا ؛ فقال أبو بكر : كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق : إنا لنزيد على ألف ، ولن يغلب ألف من قلة ، فقال أبو بكر : وكيف المنعة فيكم؟ فقال : المفروق : علينا الجهد ، ولكل قوم جدّ (١). فقال أبو بكر : كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق : إنا لأشدّ ما نكون غضبا حين نلقى ، وإنّا لأشدّ ما نكون لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله ، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى. لعلك أخا قريش ، فقال أبو بكر : قد بلغكم أنه رسول الله ، ألا هو ذا ، فقال مفروق : بلغنا أنه يذكر ذاك ، فإلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّدا عبده ورسوله ، وإلى أن تؤووني وتنصروني ، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله ، وكذّبت رسوله (٢) ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد.» فقال مفروق بن عمرو : إلى ما تدعونا يا أخا قريش ، فو الله ما سمعت كلاما أحسن من هذا ، فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى قوله (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٣).
فقال مفروق : وإلى ما تدعونا يا أخا قريش ـ زاد فيه غيره فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ثم رجعنا إلى روايتنا قال : فتلا : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٤).
فقال مفروق بن عمرو : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذّبوك فظاهروا عليك ، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا. فقال هانئ : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى إن تركنا ديننا واتّبعناك على دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول (٥) ولا آخر ، إنّه زلل في الرأي وقلّة نظر في العافية (٦) ، وإنما تكون الزلة مع
__________________
(١) البيهقي : جهد.
(٢) البيهقي : رسله.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٥١ إلى ١٥٣.
(٤) سورة النحل ، الآية : ٩٠.
(٥) بالأصل أولا ، والمثبت عن البيهقي.
(٦) البيهقي : العاقبة.