أبو علي (١) عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن فضالة النيسابوري ـ بالري ـ أخبرنا محمّد بن عبد الله بن شاذان الرازي ـ بنيسابور ـ قال : سمعت يوسف بن الحسين يقول : حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل ، وكان المتوكل مولعا به ، يفضله على العبّاد والزّهّاد ، فقال له المتوكل : يا أبا الفيض صف لي أولياء الله عزوجل.
فقال ذو النون : يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله عزوجل النور الساطع من محبته ، وجللهم بالبهاء من أردية كرامته ، ووضع على مفارقهم تيجان مسرّته ، ونشر لهم المحبّة في قلوب خليقته ، ثم أخرجهم وقد أودع القلوب ذخائر الغيوب ، فهي معلقة بمواصلة المحبوب ، فقلوبهم إليه سائرة ، وأعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة ، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء ، وعرفهم منابت الأدواء ، وجعل تلاميذهم أهل الورع والتقى ، وضمن لهم الإجابة عند الدعاء ، وقال : يا أوليائي إن أتاكم عليل من فرقي فداووه ، أو مريض من إرادتي فعالجوه ، أو مجروح بتركي إياه فلاطفوه ، أو فار مني فرغبوه ، أو آبق مني فخادعوه ، أو خائف مني فأمنوه ، أو راغب في مواصلتي فمنوه ، أو قاصد نحوي فأدوه ، أو جبان من متاجرتي فجرّءوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشروه ، أو حسن الظن بي فباسطوه ، أو محب لي فواصلوه ، أو معظم لقدري فعظّموه ، أو مستوصف نحوي فأرشدوه ، أو مسيء بعد إحساني فعاينوه (٢) ، أو ناس لإحساني فذكروه ، وإن استغاث بكم ملهوف فأغيثوه ، ومن وصلكم فيّ فواصلوه فإن غاب عنكم فافتقدوه ، وإن ألزمكم جناية فاحتملوه ، وإن قصر في واجب حق فاتركوه ، وإن أخطأ خطيئة فانصحوه ، وإن مرض فعودوه ، وإن وهبت لكم هبة فشاطروه ، وإن رزقتكم فآثروه بأوليائي لكم عاتبت ، ولكم خاطبت ، وإياكم رغبت ، ومنكم الوفاء طلبت ، لأنكم بالأثرة آثرت وانتخبت ، وإياكم استخدمت واصطنعت واختصصت. لا أريد استخدام الجبارين ، ولا مطاوعة الشرهين. جزائي لكم أفضل الجزاء ، وإعطائي لكم أوفر العطاء ، وبذلي لكم أغلى البذل ، وفضلي عليكم أكبر الفضل ، ومعاملتي لكم أو في المعاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالبة ، أنا مفتش القلوب ، أنا علّام الغيوب ، أنا ملاحظ اللحظ ، أنا مراصد الهمم ، أنا مشرف على الخواطر ، أنا
__________________
(١) بالأصل : أبو علي بن عبد الرحمن.
(٢) في تاريخ بغداد : فعاتبوه.