تركه لو لم يكن له داع آخر ، ولا يكاد يكون ذلك إلّا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به ، وأمّا ما لا ابتلاء به بحسبها ، فليس للنهي عنه موقع أصلا (١) ، ضرورة أنّه (٢) بلا فائدة ولا طائل ، بل يكون من قبيل طلب الحاصل ، كان (٣) الابتلاء بجميع الأطراف ممّا لا بدّ منه في تأثير العلم ، فإنّه بدونه لا علم بتكليف فعليّ ، لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به (٤).
__________________
ـ العبد وأن لا يكون له داع إليه لم يكن للأمر به والبعث إليه موقع أصلا ، كما لا يخفى. منه [أعلى الله مقامه].
(١) ولا يخفى : أنّ الظاهر من هذه العبارة اختصاص اعتبار هذا الشرط بخصوص النهي والشبهات التحريميّة ، كما هو ظاهر عبارة الشيخ الأعظم في فرائد الاصول ٢ : ٢٢٣. وتبعهما المحقّق النائينيّ ، فصرّح بعدم اعتباره في الأمر والشبهات الوجوبيّة ، فقال : «وانّما زيد هذا القيد في خصوص النواهي ، ولم يعتبر في الأوامر التمكّن العاديّ من الفعل مضافا إلى التمكّن العقليّ ، لأنّ الأمر بالفعل انّما يكون لأجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع ، ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل على المصلحة بأيّ وجه أمكن ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية مع التمكن العقليّ من تحصيلها». فوائد الاصول ٤ : ٥١ ـ ٥٢.
ولكنّ المصنّف قدسسره أشار في حاشية الكتاب إلى عدم اعتباره في الأوامر والشبهات الوجوبيّة أيضا ، كما مرّت حاشيته ذيل التعليقة (٦) من الصفحة السابقة.
ووسّعه المحقّق العراقيّ أيضا واستدلّ على اعتباره كذلك بأنّ توجيه النهي أو الأمر بما خارج عن الابتلاء مستهجن ، لأنّ البعد عن العمل بمثابة يرى العرف مثل هذا الشخص أجنبيّا عنه ، بحيث لا يحسنون توجيه الخطاب نحوه. راجع نهاية الأفكار ٣ : ٣٣٨ ، وهامش فوائد الاصول ٤ : ٥٢.
(٢) أي : النهي عمّا لا ابتلاء به بحسب العادة.
(٣) قوله : «كان» جواب لقوله : «لمّا».
(٤) حاصل ما أفاده في الاستدلال على اعتبار الابتلاء بجميع الأطراف أمران :
الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «ضرورة أنّه بلا فائدة ولا طائل». وحاصله : أنّ توجيه الخطاب إلى غير مورد الابتلاء لغو ، إذ غرض الشارع من النهي إيجاد الداعي إلى الترك ، كما أنّ غرضه من الأمر إيجاد الداعي إلى الفعل ، وهو لا يتحقّق فيما إذا كان الفعل خارجا عن محلّ الابتلاء ، فتوجيه الخطاب إليه لغو. ولغويّة الخطاب وإن كان أمرا ممكنا ذاتا إلّا أنّه مستحيل على الحكيم عقلا ، لمنافاته للحكمة.