__________________
ـ بما نحن فيه. وبعبارة اخرى : إنّ المراد من الآية ـ بقرينة التعبير بلفظ الماضي في قوله تعالى : (وَما كُنَّا) ـ هو الإخبار بعدم وقوع العذاب الدنيويّ في الامم السابقة إلّا بعد بعث الرسل إليهم ، فهي أجنبيّة عما نحن بصدده من نفي العذاب الاخرويّ عند عدم تماميّة البيان.
ولا يخفى : أنّه اجيب عن هذا الوجه بوجوه :
الأوّل : أنّ ما ذكره مبنيّ على كون الماضي (ما كنّا) ظاهرا في الماضي عن وقت الخطاب والتكلّم. ولكنّه خلاف ظاهر الآية ، بل هي ظاهرة في كون الماضي بلحاظ زمان بعثة الرسول وإتمام الحجّة ، ومثله لا يختصّ بالعذاب الدنيويّ ؛ كما أنّ الآية ظاهرة في بيان ما هو سنّة الله في باب العذاب من رعاية العدل وعدم العذاب قبل إتمام الحجّة بإيصال الأحكام ، وهذا لا يختصّ بقوم دون قوم ولا بعذاب دون العذاب.
هذا ما أفاده المحقّق العراقيّ. ولكن أورد على الاستدلال بالآية بأنّها لا تصلح للمقاومة مع أدلّة الأخباريّين من الروايات الآمرة بالوقوف عند الشبهة تورّعا من الاقتحام في الهلكة وتجنّبا عن الوقوع فيها ، لكون الآية مورودا بالنسبة إليها. راجع نهاية الأفكار ٣ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، مقالات الاصول ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥.
الثاني : أنّ مساق الآية ظاهر في أنّه سنّة الله في عباده أجمعين ، فلا وجه لدعوى اختصاصها بالامم السابقة. كما لا وجه لدعوى اختصاصها بالعذاب الدنيويّ ، لأنّه إذا كان العذاب الدنيويّ منفيّا قبل إتمام الحجّة فالعذاب الاخرويّ منفيّ بالأولويّة ، لأنّه أعظم وأدوم ، وتوقّف الأخفّ على إتمام الحجّة يقتضي توقّف الأشدّ عليه بالأولويّة. هذا ما أفاده المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ٤٢١.
الثالث : ما أفاده المحقّق الخوئيّ من حديث الأولويّة ـ تبعا للمحقّق الأصفهانيّ ، كما مرّ ـ وأنّ قوله تعالى : (ما كُنَّا) وإن كان فعلا ماضيا ، إلّا أنّه منسلخة عن الزمان. ويشهد على ذلك استقراء موارد استعمالها ، كقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) التوبة / ١١٥ ، وقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران / ١٧٩ ، وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الأنفال / ٣٢ ، إلى غير ذلك. فيكون المراد من الآية أنّ التعذيب قبل البيان لا يليق بجنابه تعالى ، فلا يبقى فرق حينئذ بين العذاب الدنيويّ والاخرويّ. مصباح الاصول ٢ : ٢٥٦.
الرابع : ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ. وحاصله : أنّ فعل الماضي في قوله : (ما كُنَّا) يكون بلحاظ يوم الحساب ، لا بلحاظ زمان الخطاب والتكلّم ، ولذا قال : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) الإسراء / ١٣ ، فلا وجه لاختصاص الآية بالامم السابقة. ولو سلّم أنّ موردها ـ