لا يقال : الأمر وإن كان كما ذكر ، إلّا أنّه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب ـ وهكذا بين الكراهة والحرمة ـ ليس إلّا بشدّة الطلب بينهما وضعفه ، كان تبدّل أحدهما بالآخر مع عدم تخلّل العدم غير موجب لتعدّد وجود الطبيعيّ بينهما ، لمساوقة الاتّصال مع الوحدة ، فالشكّ في التبدّل حقيقة شكّ في بقاء الطلب وارتفاعه ، لا في حدوث وجود آخر.
فإنّه يقال : الأمر وإن كان كذلك ، إلّا أنّ العرف حيث يرى الإيجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين ، لا واحدا (١) مختلف الوصف في زمانين ، لم يكن مجال للاستصحاب ، لما مرّت الإشارة إليه ويأتي (٢) من أنّ قضيّة إطلاق أخبار الباب أنّ العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشكّ بنظر العرف نقضا وإن لم يكن بنقض بحسب الدقّة ، ولذا لو انعكس الأمر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا (٣).
__________________
(١) وفي بعض النسخ : «لا واحد». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) مرّت الإشارة إليه في ابتداء مبحث الاستصحاب ، حيث قال : «وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين». ويأتي ذيل قوله : «تتمّة».
(٣) لا يخفى عليك : أنّ المحقّق الأصفهانيّ أورد على ما أفاده المصنّف قدسسره بأنّ التغاير بين الوجوب والاستحباب ليس بالشدّة والضعف ، فإنّهما من الامور الاعتباريّة الّتي توجد بإنشاء مفاهيمهما ، والاعتبار لا يقبل الشدّة والضعف. نهاية الدراية ٣ : ١٨٠ ـ ١٨١.
القسم الرابع من استصحاب الكلّي :
وجدير بالذكر أنّ السيّد المحقّق الخوئيّ زاد قسما رابعا ، وحكم بجريان الاستصحاب فيه ، فقال : «القسم الرابع : ما إذا علمنا بوجود فرد معيّن ، وعلمنا بارتفاع هذا الفرد ، ولكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل انطباقه على الفرد الّذي علمنا ارتفاعه ويحتمل انطباقه على فرد آخر أيضا ، فلو كان العنوان المذكور منطبقا على الفرد المرتفع فقد ارتفع الكلّيّ ، وإن كان منطبقا على غيره فالكلّي باق.
مثاله : ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار ، وعلمنا بوجود متكلّم فيها ، ثمّ علمنا بخروج زيد منها ، ولكن احتملنا بقاء الإنسان فيها لاحتمال أن يكون عنوان المتكلّم منطبقا على فرد آخر.
ومثاله في الأحكام الشرعيّة : ما إذا علمنا بالجنابة ليلة الخميس ـ مثلا ـ ، واغتسلنا ـ