قارّا مستمرّا (١).
فانقدح بذلك أنّه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب ما لهما من الآثار (٢).
__________________
(١) والحاصل : أنّه يستشكل في جريان الاستصحاب في الامور التدريجيّة بعدم تصوّر البقاء في مثل الزمان والزمانيّات المتصرّمة الّتي توجد وتنصرم شيئا فشيئا ، لأنّ بقاء الشيء عبارة عن استمرار وجوده في الآن اللاحق بعين وجوده في الآن السابق ، وهو غير متصوّر في الامور التدريجيّة الّتي لا يتحقّق منها جزء إلّا بعد ما انعدم منها جزء آخر. وأجاب عنه المصنّف قدسسره بوجهين :
أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «إلّا أنّه ما لم يتخلّل ... كذلك قطعا». وحاصله : أنّ الآنات والأزمنة المتعاقبة وإن كانت في الحقيقة وجودات متعدّدة متصرّمة ، إلّا أنّها لمّا كانت على نهج الاتّصال ولم يتخلّل بينها سكون كان الجميع بنظر العرف موجودا واحدا باقيا ، ويعدّ الموجود اللاحق منها بقاء لما حدث أوّلا ، فيصدق عليه الشكّ في بقاء ما حدث ، فتتّحد القضيّة المتيقّنة مع القضيّة المشكوكة عرفا ، وإن لم تكونا بحسب الحقيقة والدقّة العقليّة كذلك ، فتجري الاستصحاب ، لأنّ مدار الوحدة في متعلّق الوصفين هو نظر العرف وصدق النقض والبقاء كذلك.
ثانيهما : ما أشار إليه بقوله : «مع أنّ الانصرام ...». وتوضيحه : أنّ الانصرام والتجدّد المانع عن الاستصحاب انّما هو في الحركة القطعيّة المنتزعة من الأكوان المتعاقبة على نهج الاتّصال الّتي تتوافى للحدود الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، فهي باعتبار منشأ انتزاعها ـ وهو الأكوان المتعاقبة المتفرّقة في الخارج ـ تدريجيّة. وأمّا الحركة التوسّطيّة ـ وهي كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ـ فهي من الامور القارّة ويصدق عليها البقاء حقيقة ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيها.
ولا يخفى : أنّ المحقّق العراقيّ أورد على الوجه الثاني بمنع صدق القارّ المستمرّ على الحركة التوسطيّة ، كي يتصوّر فيها البقاء الحقيقيّ ، لأنّ البقاء الحقيقيّ للشيء عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخّصة له في آن حدوثه ، ومثله غير متصوّر في الحركة التوسّطيّة ، بداهة أنّها ليست بحقيقتها إلّا عين التجدّد والانقضاء والخروج من القوّة إلى الفعل ، فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرّجة الموافية للحدود المعيّنة ، لأنّ كلّ واحد منها كون واقع بين المبدأ والمنتهى وفرد للحركة التوسطيّة ومرتبة من مراتب وجودها خارجا. نهاية الأفكار ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.
(٢) فإذا نذر التصدّق بدرهم إذا كان النهار باقيا وشكّ في بقاء النهار ، جرى استصحاب النهار ـ