فتأمّل تعرف أنّ إطلاق كلام شيخنا العلّامة «أعلى الله مقامه» في المقام نفيا وإثباتا في غير محلّه (١).
__________________
ـ وذلك لأنّ مقتضى مفرّديّة الزمان في العامّ أنّ ما بعد زمان الخاصّ أيضا فرد من أفراد العامّ ، فمع دلالة العامّ على حكم ما بعد زمان الخاصّ لا مجال لاستصحاب حكم الخاصّ ، لعدم جريان الأصل مع الدليل. نعم ، لو ابتلى العامّ بمانع ـ كما إذا كان له معارض ـ لكان استصحاب حكم الخاصّ مرجعا في هذه الصورة ، لأنّ المفروض أنّ الزمان في الخاصّ مأخوذ على نحو الظرفيّة ، ومع الظرفيّة لا تنثلم وحدة الموضوع ـ بخلاف القيديّة ، فإنّها تنثلم وحدة الموضوع ويتعدّد ، كما مرّ ـ ، فيصحّ جريان الاستصحاب فيما بعد زمان الخاصّ.
(١) حاصل ما أفاد الشيخ الأعظم هو التفصيل بين ما إذا اخذ الزمان في العامّ إفراديّا ، بحيث يكون كلّ فرد من أفراد العامّ محكوما بأحكام متعدّدة بتعدّد آنات الزمان وقطعه ، وبين ما إذا اخذ الزمان قطعة واحدة لبيان استمرار الحكم. فعلى الأوّل يعمل عند الشكّ بالعموم ولا يجري الاستصحاب ، وعلى الثاني يجري الاستصحاب. فرائد الاصول ٣ : ٢٧٤.
والمصنّف رحمهالله وإن وافق الشيخ في تقسيمه للعامّ إلى قسمين ، ولكن خالفه في إطلاق الحكم بكون القسم الأوّل موردا لأصالة العموم دون الاستصحاب وكون القسم الثاني موردا للاستصحاب دون أصالة العموم. حاصل ما أفاده : أنّه لا بدّ من ملاحظة الزمان المأخوذ في دليل الخاصّ أيضا ؛ فإذا اخذ الزمان في العامّ والخاصّ على نحو الظرفيّة ولبيان استمرار الحكم فلا مانع من التمسّك بالاستصحاب ، إلّا فيما إذا كان التخصيص من أوّل أزمنة العموم ؛ وإذا اخذ الزمان في العامّ على نحو الظرفيّة وفي الخاصّ على نحو القيديّة فلا يمكن التمسّك بالاستصحاب ، كما لا مجال للتمسّك بالعموم أيضا ، بل يرجع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال حسب ما يقتضيه المقام ؛ وإذا اخذ الزمان في العامّ على نحو القيديّة وفي الخاصّ على نحو الظرفيّة فالمتعيّن الرجوع إلى العامّ إن لم يكن له معارض ، وإلّا يتمسّك بالاستصحاب ؛ وإذا اخذ الزمان فيهما على نحو القيديّة فلا بدّ من التمسّك بالعامّ.
ولا يخفى : أنّ كثيرا من الأعلام خالفوهما في المقام.
فذهب المحقّق النائينيّ إلى تفصيل آخر ، فقال : «كلّ مورد كان مصبّ العموم الزمانيّ متعلّق الحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه عند الشكّ في التخصيص الزمانيّ أو في مقداره ، بل لا بدّ فيه من الرجوع إلى عموم العامّ لو كان ، وإلّا فإلى البراءة والاشتغال. وفي كلّ مورد كان مصبّ العموم الزمانيّ نفس الحكم فلا مجال للتمسّك فيه بالعامّ الزمانيّ عند الشكّ في التخصيص أو في مقداره ، بل لا بدّ فيه من الرجوع إلى الاستصحاب لو تمّت أركانه وإلّا فإلى البراءة أو الاشتغال» فوائد الاصول ٤ : ٥٤٣.