إجماعا لا يوجب الخصوصيّة في دليلها بعد عموم لفظها لها ، هذا.
مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتّى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم ـ كما قيل (١) ـ وقوّة دليله بقلّة تخصيصه بخصوص دليل.
لا يقال : كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله (٢) ، لا لحكمه (٣) ، وموجبا لكون نقض اليقين باليقين بالحجّة على خلافه ، كما هو الحال بينه وبين أدلّة سائر الأمارات ، فيكون هاهنا أيضا من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه غير دائر (٤) والتخصّص.
فإنّه يقال : ليس الأمر كذلك ، فإنّ المشكوك ممّا كانت له حالة سابقة ، وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعيّ ، إلّا أنّه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشكّ ، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة ، فدليل الاستصحاب الدالّ على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا ، فافهم ، فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله ، لوهن عمومها وقوّة عمومه (٥) ، كما أشرنا إليه آنفا.
والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلّى الله على محمّد وآله باطنا وظاهرا.
__________________
(١) راجع الفصول الغرويّة : ٣٦٢ ، وفرائد الاصول ٣ : ٣٨٦.
(٢) لأنّ الظاهر من أدلّة القرعة أنّها أمارة ، وقد ثبت أنّ الأمارة رافعة للشكّ الّذي هو موضوع الاصول.
(٣) أي : لا لحكم الاستصحاب مع بقاء موضوعه كي يبقى المجال لتعارضهما.
(٤) أي : بين التخصيص بلا وجه إلّا على وجه دائر ، فإنّ مخصّصيّة دليل الاستصحاب ـ والمفروض أنّه من الاصول ـ لدليل القرعة ـ الّتي هي الأمارة ـ موقوفة على اعتباره ، وهو موقوف على مخصّصيّته ، وهذا دور.
(٥) أي : لوهن عموم أدلّة القرعة وقوّة عموم دليل الاستصحاب.