الصدور تقيّة وعدم الصدور رأسا ، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور المخالف المعارض له أصلا ، ولا يكاد يحتاج في التعبّد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة ؛ وإنّما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيّا صدورا وجهة ودلالة ، ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقيّة ، وفي غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة ، لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعيّ حينئذ أيضا.
ومنه قد انقدح إمكان التعبّد بصدور الموافق القطعيّ لبيان الحكم الواقعيّ أيضا ، وإنّما لم يمكن التعبّد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيّا بحسب السند والدلالة ، لتعيّن (١) حمله على التقيّة حينئذ لا محالة.
ولعمري إنّ ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله ، إلّا أنّ الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان ، عصمنا الله من زلل الأقدام والأقلام في كلّ ورطة ومقام.
ثمّ إنّ كلّه إنّما هو بملاحظة أنّ هذا المرجّح (٢) مرجّح من حيث الجهة. وأمّا بما هو موجب لأقوائيّة دلالة ذيه من معارضه ـ لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقيّة دونه ـ فهو مقدّم على جميع مرجّحات الصدور بناء على ما هو المشهور من تقدّم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ باب احتمال التورية وإن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقيّة ، إلّا أنّه حيث كان بالتأمّل والنظر لم يوجب (٣) أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون قرينة على التصرّف عرفا في الآخر ، فتدبّر.
__________________
(١) وفي بعض النسخ : «لتعيين». والأولى ما أثبتناه.
(٢) أي : مخالفة العامّة.
(٣) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «أنّها حيث كانت بالتأمّل والنظر لم توجب ...» ، فإنّ الضمير المستتر في قوليه : «كان» و «لم يوجب» يرجع إلى التورية.