ولو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد ، فهو ممّا لا يكاد يعقل ، فكيف يتفحّص عمّا لا يكون له عين ولا أثر؟ أو يستظهر من الآية أو الخبر؟
إلّا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعليّ ، وأنّ المجتهد وإن كان يتفحّص عمّا هو الحكم واقعا وإنشاء ، إلّا أنّ ما أدّى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعليّ حقيقة ، وهو ممّا يختلف باختلاف الآراء ضرورة ، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهة. وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقة ، بل إنشاء ، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى ، بل لا محيص عنه في الجملة ، بناء على اعتبار الأخبار من باب السببيّة والموضوعيّة ، كما لا يخفى. وربما يشير إليه ما اشتهر بيننا «أنّ ظنّيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم».
نعم ، بناء على اعتبارها من باب الطريقيّة ـ كما هو كذلك ـ فمؤدّيات الطرق والأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقيّة نفسيّة ، ولو قيل بكونها أحكاما طريقيّة. وقد مرّ غير مرّة (١) إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا ، وأنّ قضيّة حجّيّتها ليست إلّا تنجّز مؤدّياتها عند إصابتها والعذر عند خطئها ، فلا يكون حكم أصلا إلّا الحكم الواقعيّ ، فيصير منجّزا فيما قام عليه حجّة من علم أو طريق معتبر ، ويكون غير منجّز ـ بل غير فعليّ ـ فيما لم تكن هناك حجّة مصيبة ، فتأمّل جيّدا.
__________________
(١) راجع الجزء الثاني : ٢٨١ ـ ٢٨٢.