٥٩٩ ـ الأمير أبو محمد عب الله بن محمد بن عبد الله (١)
ومنه أخذ هذا الحصن أمير الملثّمين يوسف بن تاشفين ، ومن القلائد : رجل زهت به الرياسة والتدبير ، وجبل دونه يلملم وثبير ، ووقار ، لا يستفز ولو دارت عليه العقار ، إذا كتب باهت البدر رقعته ، وقرطست أفئدة المعاني نزعته ، وضعته الدولة في مفرقها ، وأطلعت شمسه في مشرقها ، فأظهر جمالها ، وعطّر صباها وشمالها ، فسهّل لراجيها حزنها ، وصاب بأحسن السّير مزنها ، ولاح بشرها ، ونفح نشرها ، وجادت يده بالحيا ، وعادت به أيام الفضل بن يحيى ، إلا أن لأيام اتّقته ، فما أبقته ، وخشيه مكرها ، فغشيه نكرها ، فتخلّت عنه الدولة تخلّي العقد عن عنق الحسناء ، وأعرضت عنه إعراض النسيم عن الروضة الغنّاء ، وإنها لعالمة بسنائه ، هائمة بغنائه ، ولكن الزمان لا يريد شفوفا ، ولا يرى أن يكون بالفضائل محفوفا ، وهو اليوم قد انقبض عن الناس وأجناسهم ، واستوحش من إيناسهم ، وأنس بنتائج أفكاره ، وهام بعيون العلم وأبكاره.
الغرض مما أورد له. كتب إلى الوزير أبي بكر بن عبد العزيز مجاوبا عن كتاب خاطبه به مسليا عن نكبته :
ولو لم أفلّ شباة الخطوب |
|
بحدّ ظبا الصارم |
ولم ألق من جندها ما لقيت |
|
بصبر لأبطالها هازم |
ولم أعتبر حادثات الزمان |
|
بخبر خبير بها عالم |
لكان خطابك لي ذكرة |
|
تنبّه من سنه النائم |
ورداء يردّ صعاب الأمور |
|
على عقب الصاغر الراغم |
فكيف وقد قرعت النائبات إصغارا ، ولقيت من هبوبها إعصارا ، ولم أستعن في شيء منها بمخلوق ، ولا فوّضت في جميع أمورها إلا إلى أعدل فاتح وأحفظ موثوق ، وأسأله أن يجعلها كفارة للسيئات ، وطهارة من درن الخطيئات بمنّه وكرمه. وإن خطاب السيد وصل ، غبّ ما تجافي ومطل ، فكان الحبيب المقبّل ، من حقه أن يستمال ويستنزل ، ولا عتاب عليه فيما فعل. وقد علمت أنه مهما أبطأ برهة متّصلة ، فما أخطأ حفاظا بظهر الغيب وصلة ، وإنما نهته عن مقتضى نظره ، ليبينه بفحوى تأخره. وعلى أن العوائد أحمد من البديّات ، والفوائد في النتائج لا في المقدمات ، كما ختم الطعام بالحلواء ، بل كما نسخ الظلام بالضياء ، وبعث محمد آخر الأنبياء. وإن احتفاءه لمقدور حق قدره ، ووفاءه لجدير بالمبالغة في شكره ، ولقد بلغت مكارمه مداها ، وسلت مساهمته عما اقتضاها ، وقد آن أن يدع من ذكرى نهب صيح في حجراته ، واستبيح من جهاته.
__________________
(١) انظر ترجمته في قلائد العقيان (ص ١٢٧).