وقد توغّلت معك في أسباب الألفة ، وهتكت بيني وبينك أسباب المراقبة والكلفة. فأنا أستريح إليك بخفيات سرّي ، وأجلو عليك بنيّات صدري ، خروجا إليك عما عندي ، وجريا معك على ما يقتضيه إخلاص ودي ، وجلاء لشواغل بالي ، واستظهارا بك على حالي ، وشفاء لمضض نفسي ، واستدعاء لما نفر وشرد من أنسي ، كما ينفث المصدور ، ويتلقى برد النسيم المحرور ، وكما تفيض النفس عند امتلائها ، وتجود العين طلبا للراحلة بمائها. وكنت أشرت في كتابي بتوجه من توجه من قبلي ، ممن كان روح أنسي ، وريحان جذلي ونفسي ، إلى أن قرع ما قرع من لوعة الفراق ولذع ما لذع من لوعة الاشتياق ، وأنا أظن ذلك عاقبة الصبر تغلبه ، والجلد يعقبه ، وأن انصرام الأيام ينسيه ويذهبه ، فإذا هو قد أفراط وزاد ، وغلب أو كاد (١).
ومن القلائد : بحر البيان الزاخر ، وفخر الأوائل ، والأواخر ، ومن شعره قوله في رجل مات مجذوما :
مات من كنا نراه أبدا |
|
سالم العقل سقيم الجسد |
بحر سقم ماج في أعضائه |
|
فرمى في جلده بالزّبد |
كان مثل السيف إلا أنه |
|
حسد الدهر عليه فصدي |
وقوله (٢) :
لا تكثرنّ تأمّلا |
|
واحبس عليك عنان طرفك |
فلربّما أرسلته |
|
فرماك في ميدان حتفك |
٦٠٣ ـ الكاتب أبو جعفر أحمد بن أحمد الداني (٣)
من الذخيرة : قدّمته قدمته إذ كان أسناهم موضعا ، وأرفعهم عند ملوك الطوائف مطارا وأحسن موقعا ، وله إحسان كثير ، بين منظوم ومنثور. وكان أبوه شرطيّا بدانية ، فتميّز هو بالأدب وقال في أخيه ، وكان يكثر من هجائه (٤) : [مجزوء الشعر]
جار ذا الدهر علينا |
|
وكذا الدهر يجور |
__________________
(١) انظر النص في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٢٧).
(٢) البيتان في القلائد وبغية الملتمس والخريدة (ج ٢ / ص ١٣ ، ٤٧٨) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٢٨) دون تغيير عمّا هنا.
(٣) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٧٥٧ وما بعدها).
(٤) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٧٥٨) دون تغيير عمّا هنا.