وكان من أبطال الحروب وشجعانها ، يضرب به المثل في شدة القسوة كسفك الدماء ، وعظم ملكه بهزيمة زهير ملك المريّة ، وقتله واستيلائه على ثنه ، وكان على ما فيه من القسوة حسن السياسة منصفا حتى من أقاربه. نفت له يوما عجوز فشكت عقوق ابنها ، وأنه مدّ يده إلى ضربها ، حضره وأمر بضرب عنقه ، فقالت له يا مولاي ما أردت إلا ضربه بالسوط فناده فقال : لست بمعلّم صبيان ، وضرب عنقه.
ومات ، فورث الملك بعده ابن أخيه :
٤١٦ ـ عبد الله بن بلقّين بن حبوس (١)
ومن يده أخذها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حين استولى على ملوك الطوائف فتداول عليها ولاة الملثمين إلى أن انقرضت دولتهم فقام بها من الأندلسين :
٤١٧ ـ أبو الحسن علي بن أضحى الهمدانيّ (٢)
من بيت عظيم بها ، قد صحّ له ملكها فيما تقدّم ، وكان قد ولي قضاء القضاة بغرناطة ، واشتهر بالجود ، وجلّ قدره ، فصحّ له القيام بملك غرناطة. إلا أنه لم يبق إلا قليلا ، وتوفي حتف أنفه. ومن شعره قوله وقد دخل مجلسا غاصّا ، فجلس في أخريات الناس ، وأراد التنبيه على قدره : [الكامل]
نحن الأهلة في ظلام الحندس |
|
حيث احتللنا فهو صدر المجلس |
إن يذهب الدّهر الخئون بعزّنا |
|
ظلما فلم يذهب بعزّ الأنفس |
وولي بعده أمر غرناطة ابنه أضحى ، ثم صارت للمستنصر بن هود ، ووقع فيها تخليط. إلى أن ملكها المصامدة وتداول عليها ولاتهم ؛ ثم صارت لابن هود المتوكل الذي ملك الأندلس في عصرنا وتداولت عليها ولاته ؛ ثم مات ابن هود فاتخذها كرسيّا :
٤١٨ ـ أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر المرواني (٣)
وهو إلى الآن بها مثاغرا لعساكر النصارى الكثيرة بدون ألف فارس. وهو من عجائب الدهر
__________________
(١) ترجمته في تاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦١) وأعمال الأعلام (ص ٢٦٨).
(٢) ترجمته في قلائد العقيان (ص ٢١٥ ، ٢١٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٠٢) والحلة السيراء (ص ٢٠٧) والرايات (ص ٥٣).
(٣) انظر ترجمته في أعمال الأعلام (ص ٣٢٠) وفي الإحاطة (ج ٢ / ص ٥٩).