ـ يعني السيف الذي هو متقلده ـ قال : أرنيه ، قال : فدفعه إليه ، فوضعه المنصور تحت مصلّاه ، وسكنت نفسه ، فلما قال ما قال ، قال المنصور : يا للعجب أتقتلهم حين عصوك وتعصيني ، فلا أقتلك؟ ثم صفّق ، فخرج القوم وبدرهم إليه شبيب ، فضربه فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه ، فقال له المنصور : اضربه قطع الله يدك ، فقال أبو مسلم : يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك ، قال : وأيّ عدوّ أعدى لي منك ، اضربوه ، فضربوه بأسيافهم حتى قطعوه إربا إربا ، فقال المنصور : الحمد لله الذي أراني يومك يا عدوّ الله ، واستؤذن لعيسى بن موسى ، فلما دخل ورأى أبا مسلم على تلك الحال ، وقد كان كلّم المنصور في أمره لعناية كانت منه به ، استرجع ، فقال له المنصور : احمد الله فإنك إنما هجمت على نعمة ، ولم تهجم على مصيبة ، وفي ذلك يقول أبو دلامة (١) :
أبا مجرم ما غيّر الله نعمة |
|
على عبده حتى يغيّرها العبد |
أبا مجرم خوّفتني القتل فانتحى |
|
عليك بما خوفتني الأسد الورد |
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، نا أبو الحسن رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، قال : سمعت الرياشي يقول :
كان نصر بن مالك على شرطة أبي مسلم ، فلما جاءه أمر أبي جعفر بالقدوم عليه استشاره ، فنهاه عن ذلك ، وقال : لا تأمنه عليك ، فقال له أبو جعفر : استشارك أبو مسلم في القدوم علي فنهيته؟ فقال : نعم ، قال : وكيف ذلك؟ قال : سمعت أخاك إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه قال : لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن استشاره ، وكنت له كذلك ، وأنا اليوم لك كما كنت له.
أخبرنا أبو العزّ السلمي ـ إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافي بن زكريا (٢) ، نا الصّولي ، نا الغلّابي ، نا يعقوب بن جعفر ، عن أبيه ، قال :
خطب الناس (٣) المنصور بعد قتل أبي مسلم فقال : أيها الناس ، لا تنفّروا أطراف النعمة بقلّة الشكر ، فتحلّ بكم النقمة ، ولا تسروا غشّ الأئمة ، فإنّ أحدا لا يسرّ منكم (٤) إلّا ظهر في
__________________
(١) البيتان في تاريخ بغداد والجليس الصالح ، وعيون الأخبار ١ / ٢٦ ووفيات الأعيان ٣ / ١٥٥.
(٢) الخبر في الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا ٤ / ٢٠٢.
(٣) بعدها بالأصل : خطبة.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : منكرا.