فلتات لسانه ، وصفحات وجهه ، وطوالع نظره ، وإنا لن نجهل حقوقكم ما عرفتم حقّنا ، ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا ، ومن نازعنا هذا القميص أوطأنا أمّ رأسه خبي هذا الغمد ، وإن أبا مسلم بايع لنا على أنه من نكث بيعتنا ، وأضمر غشا لنا فقد أباحنا دمه ، ونكث وغدر ، وفجر ، وكفر ، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا.
أخبرنا أبو العزّ ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافي بن زكريا (١) ، نا محمّد بن يحيى الصولي ـ بإسناد لم يحضرني في هذا الوقت ذكره ـ بخبر المنصور وقتله أبا مسلم ، ثم حدّثنا أيضا بإسناد هذه صفته ، قال :
خطب المنصور الناس بعد مقتل أبي مسلم ، فقال : أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحق ، إنّ أبا مسلم أحسن مبتدئا وأساء معقبا ، وأخذ من الناس بنا أكثر مما أعطانا ، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره ، وعلمنا من خبث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله ، وعنّفنا في إمهاله ، وما زال ينقض بيعته ويخفر ذمته حتى أحلّ لنا عقوبته ، وأباحنا دمه ، فحكمنا فيه حكمه في غيره ، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه ، وما أحسن ما قال النابغة الذبياني للنعمان (٢) :
فمن أطاعك فانفعه بطاعته |
|
كما أطاعك وأدلله على الرّشد |
ومن عصاك فعاقبه معاقبة |
|
تنهى الظّلوم ولا تقعد على ضمد (٣) |
ثم نزل.
كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو (٤) الحسن بن أبي القاسم المذكر (٥) ، نا أحمد بن الخضر ، نا محمّد بن عبدة ، حدثني محمّد بن الحارث ، قال : سمعت حفص بن حميد قال (٦) :
قيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم كان خيرا أو الحجاج؟ قال : لا أزعم أنّ أبا مسلم
__________________
(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.
(٢) ديوان النابغة ط بيروت ص ٣٣ من قصيدة مشهورة مطلعها :
يا دارميّة بالعلياء فالسند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد |
(٣) الظلوم : الكثير الظلم ، والضمد : الذل والغيظ.
(٤) عن م وبالأصل : أبي.
(٥) عن م ، وبالأصل : المذكور ، تصحيف.
(٦) الخبر في البداية والنهاية بتحقيقنا ١٠ / ٧٧.