قال : فتحسنت (١) في عيني فبدا ما اذهب الكلف عنها ، وزحف أبو السّائب وزحفت معه ثم تغنت (٢) :
برح الخفاء فأيّما بك تكتم |
|
ولسوف (٣) يظهر ما تسرّ فيعلم |
مما تضمن من غرير قلبه |
|
يا قلب إنك بالحسان لمغرم |
بل ليت أنك يا حسام بأرضنا |
|
تلقي المراسي طائعا (٤) وتخيّم |
فتذوق لذة عيشنا ونعيمه (٥) |
|
ونكون إخوانا (٦) فما ذا تنقم |
فقال أبو السّائب : إن نقم هذا فأعضّه بالله بكذا وكذا من أمه ، ولا يكنى ، وزحفت مع أبي السّائب حتى قاربنا النمرقتين ، وربت العجفاء في عيني كما يربو السويق [شيب](٧) بماء قربة ثم غنت :
يا طول ليلي أعالج السّقما |
|
إذ حل كلّ الأحبّة الحرما |
ما كنت أخشى فراقكم أبدا |
|
فاليوم أمسى فراقكم عزما (٨) |
قال غرير : فألقيت طيلساني عليّ : «مقطّع الأزرار» ، وأخذت شاذكونة (٩) فوضعتها ـ قال القاضي : أحسبه قال على رأسي ـ وصحت كما يصاح بالمدينة : الدخر (١٠) بالنوى ، وقام أبو السّائب فتناول ربعة كانت في البيت فيها قوارير ودهن فوضعها على رأسه ، وصاح صاحب الجارية وكان ألثغ : قواثيني قواثيني (١١). وحرك أبو السّائب فاصطكت القوارير فكسّرت ، وسال الدهن على صدر أبي السّائب وظهره ، وقال للعجفاء : لقد هيجت (١٢) لي داء قديما ، ثم وضع الربعة فكنا نختلف إليها حتى بعث عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك من
__________________
(١) عن م والجليس الصالح ، وفي الأصل : فتحسست ، وفي الأغاني : فحسنت.
(٢) الشعر في الأغاني هنا والجليس الصالح بدون نسبة ، وقد وردت في الأغاني ٨ / ٢٧٣ منسوبة لسعيد بن عبد الرّحمن بن حسّان من قصيدة طويلة. ولم يرد البيت الثاني فيها.
(٣) في الأغاني ٨ / ٢٧٣ والشوق.
(٤) الأغاني هنا : «دائما» والأغاني ٨ / ٢٧٣ ثاويا.
(٥) الأغاني ٨ / ٢٧٣ : فتصيب لذة عيشنا ورخاءه.
(٦) الأغاني ـ في الموضعين : أجوارا.
(٧) الزيادة عن م والمصادر.
(٨) الجليس الصالح : غرما.
(٩) الشاذكونة : المضربة يعملها النجاد.
(١٠) كذا بالأصل ، وفي م : «الدخير بالنور» وفي الجليس الصالح : «الدجر بالنوى» وفي الأغاني : الدخن بالنوى.
(١١) كذا بالأصل ، وفي م والجليس الصالح : «قوانيني قوانيني» وفي الأغاني : «قواليلي قواليلي» وهو يريد على كل حال : قواريري قواريري.
(١٢) الجليس الصالح والأغاني : «هجت» وفي م كالأصل.