عليه ، وقد خرج متبديا بقرابته (١) وحشمه وأهله وحاشيته (٢) وجلسائه ، وقد نزل في أرض صحصح (٣) في عام قد كثر وسميه (٤) ، وأخرجت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها ، وقد ضرب له سرادق من حبرة (٥) ملونة وفرشت له ألوان الفرش ، وزينت بأحسن الزينة ، وقد أخذ الناس مجالسهم ، فأخرجت رأسي من ناحية الفسطاط ، فنظر إليّ شبه المستنطق لي. فقلت : أتمّ الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسبوغها بشكره ، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا ، وعاقبة ما يؤول إليه حمدا ، وخلّصه لك بالبقاء ، وكثره لك بالنماء ، ولا كدّر عليك منه صافيا ، ولا خلط بسروره الردى ، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا إليك يفزعون وإليك يصدرون (٦) ، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك ، فإن أذن لي أمير المؤمنين [أخبرته به ، فاستوى جالسا وكان متكئا ، فقال : هات يا ابن الأهتم قال : قلت : يا أمير المؤمنين](٧) أن ملكا من الملوك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير (٨) في عام قد بكر وسميه ، وتتابع وليه ، وأخذت الأرض منه زخرفها وزينتها ، وكان قد أعطى بسطة في الملك مع الكثرة والغلبة والقهر ، فنظر فأنفذ (٩) النظر ، فقال لجلسائه : لمن هذا؟ قالوا : للملك ، قال : فهل رأيتم أحدا أعطي مثل ما أعطيت؟ قال : وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة ولم تخل الأرض من قائم لله بحجته في عباده ، فقال : أيها الملك إنّك قد سألت عن أمر ، فتأذن لي بالجواب عنه؟ قال : نعم ، قال : رأيت ما أنت فيه ، أشيء لم تزل فيه؟ أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك؟ وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال : كذلك هو ، قال : فلا أراك إنما عجبت بشيء يسير لا تكون فينا إلّا قليلا وتنقل عنه طويلا ، فيكون غدا عليك حسابا ، قال : ويحك ، وأين المهرب؟ وأين المطلب؟ وأخذته الأقشعريرة (١٠) ، وقال : إمّا أن تقيم في ملكك ، فتعمل فيه بطاعته على ما ساءك وسرك ، وأمضك (١١)
__________________
(١) كلمة غير مقروءة بالأصل ، وبدون إعجام في م والمثبت عن الأغاني.
(٢) عن م ، واللفظة مطموسة بالأصل وفي الأغاني : وغاشيته.
(٣) الصحصح : الأرض الجرداء المستوية ذات حصى صغار.
(٤) الوسمي : مطر الربيع الأول.
(٥) حبرة : ضرب من منسوج اليمن منمر أو مخطط.
(٦) الأغاني : إليك يقصدون في مظالمهم ، ويفزعون في أمورهم.
(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م والأغاني.
(٨) الخورنق والسدير : الخورنق : قصر كان للنعمان الأكبر ، والسدير : قصر في الحيرة من منازل آل المنذر ، وقيل إنه قريب من الخورنق (انظر ما جاء فيهما في معجم البلدان).
(٩) الأغاني : فأبعد.
(١٠) كذا بالأصل وم ، وهي القشعريرة.
(١١) أي أحرقك وشق عليك.