عبد الملك بن قريب قال (١) :
بينما العريان يطوف ليلة بالكوفة إذ لقي شابا سكرانا (٢) وهو يتغنى ، فقال له : من أنت؟ فقال : أصلح الله الأمير :
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره |
|
وإن أنزلت (٣) يوما فسوف تعود (٤) |
فقال : خلوا لسبيله ، وظنّ أنه شريف من أشراف الكوفة ، فلما أصبح حدّث بحديثه في مجلسه ، فقال : وددت أنّي كنت عرفته ، فقال له رجل من الشّرط : أتحبّ أصلحك الله أن آتيك به ، قال : وتعرفه؟ قال : نعم ، أصلحك الله ، أبوه يبيع الباقلاء في جبّانة عرزم قال : عليّ به الساعة ، قال : فمضى ، فأتاه به ، فأدخله عليه قال : فقال له :
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره |
|
فإن أنزلت يوما فسوف تعود |
فقال : أصلحك الله ، فما كذبتك (٥) إنّ أبي ليبيع الباقلاء ، فإذا أنزلت قدره فباع ما فيها أعادها ، فضحك ، وضحك جلساؤه ، وعجبوا من ظرفه.
قال : ونا الأصمعي ، قال : أتي العريان بن الهيثم بن الأسود النّخعي بشابين قد جنيا جناية فضرب أحدهما ، وأمر بتجريد الآخر ، فجعل ثيابه وشد إزاره على وسطه وهو يقول :
فقلت لمذحج قوموا فشدّوا |
|
مآزركم فقد برح الخفاء |
فإن الحرب يجنيها رجال |
|
ويصلي حرّها قوم براء |
فقال له العريان : ومن قائل هذا الشعر : قال : الهيثم بن الأسود النّخعي ، فضحك ، وقال : ما أراك (٦) إلّا مظلوما ، خلوا سبيله.
أنبأ أبو علي الحداد ، وحدّثني أبو مسعود عبد الرّحيم بن علي بن حمد ، [إملاء] أنا أبو نعيم الحافظ (٧) ، ثنا أبي ، نا أحمد بن محمّد بن أبان ، نا عبد الله بن محمّد بن عبيد ،
__________________
(١) الخبر من طريق آخر في عيون الأخبار ١ / ٢٠١ ومن هذا الطريق ـ عن الأصمعي ـ رواه المزي في تهذيب الكمال ١٣ / ٢٨.
(٢) كذا بالأصل وم ، والوجه : «سكران» كما في عيون الأخبار وتهذيب الكمال.
(٣) كذا بالأصل وم هنا ، وفي عيون الأخبار وتهذيب الكمال : نزلت.
(٤) في المصدرين بيت آخر وروايته :
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره |
|
فمنهم قيام حولها وقعود |
(٥) الأصل : «حديث» تصحيف ، وفي من : «كذبت» وفوقها ضبة ، والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٦) الأصل : أراني ، والمثبت عن م.
(٧) الخبر في ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم ٢ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ضمن ترجمة عتاب بن ورقاء التميمي.