فلم يتكلم حتى شق بردة كانت عليه مثل البردة والأمسية فخرج منها ورمى بنفسه في البركة ، فنهل والله منها حتى تبينت النقصان ، فأخرج ميتا سكرا ، وضممت البردة إليّ فما قيل لي خذ ولا دع ، فانصرفت إلى منزلي ، فلما كان في اليوم الثالث دعاني فدخلت إليه وهو في بهو قد كنت ستوره ، فكلمني من وراء الستر ، فقال : يا عطرّد ، قلت لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : كأنني بك الآن قد أتيت المدينة ، فقلت : دعاني أمير المؤمنين فدخلت عليه ففعل وفعل وفعل ، يا ابن الفاعلة لئن تكلمت ـ بشيء مما كان ـ شفتاك ، لأطر حنّ الذي فيه عيناك ، يا غلام ، اعطه خمسمائة ، الحق بالمدينة.
قلت : أفلا يأذن لي أمير المؤمنين ، فأقبّل يده ، وأتزود نظرة إلى وجهه ، قال : لا ، قال عطرّد : فخرجت من عنده فما تكلمت بشيء من هذا حتى دخلت إلى الهاشمية.
قال القاضي : قوله : تداوى. خرّجه على الأصل لإقامة الوزن ، وقد بيّنا هذا فيما مضى من شواهد.
رواها أبو بكر بن أبي الأزهر ، وأحمد بن جعفر ... (١) عن حماد بن إسحاق وقالا فيها : فقال له الوليد : غنني يا أبا هارون.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأ أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش المقرئ ، وغيرهما عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ، أنبأ أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البزار ، نا أبو عبد الله محمّد بن أحمد (٢) بن إبراهيم الحكمي (٣) ، حدّثني أبو ذكوان ، حدّثني سويد بن عبد العزيز قال : قال عمر بن علي المقدّمي :
كان عطرّد مولى لبعض قريش ، وكان مغنيا معجبا وهو الذي غنى : حيّ الحمول بجانب العزل ، فأتاه سليمان بن عيّاش (٤) القرشي فاستفتح عليه فخرج إليه فقال سليمان (٥) :
إني غدوت إليك من أهلي |
|
في حاجة يغدو لها مثلي |
لا طالبا شيئا إليك سوى |
|
حي الحمول بجانب العزل |
فقال : نعم حبا وكرامة ، ثم أدخله منزله فغناه له.
__________________
(١) رسمها بالأصل : «فحطه» وبدون إعجام في م.
(٢) «بن أحمد» ليس في م.
(٣) الأصل : «الحليمي» والمثبت عن م ، له ذكر في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٠٤.
(٤) بالأصل : عباس ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٥) البيتان في الأغاني ٣ / ٣٠٣.