فقال : وتكلم أي عدو الله ، المستحل لحرمة الله ، فقال عبيدة : إنّي قد أجرته ، فلا تخفر جواري ، فقال : أنا أجير جوارك لهذا الظالم الذي فعل ما فعل ، فأما حقّ الناس فإنّي اقتص لهم منه.
فضربه بكل سوط ضرب به أحدا من الذين بالمدينة وغيرهم ، إلّا محمّد بن المنذر بن الزبير ، فإنّه أبى أن يقتص ، وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فإنه أبى أيضا.
وأمر به فحبس في حبس زيد عارم ، وكان زيد عارم مع عمرو بن الزبير فأخذه فحبسه مع عمرو بن الزبير ، فسمّي ذلك الحبس سجن عارم (١) ، وبنى لزيد عارم ذراعين في ذراعين ، وأدخله وأطبق عليه بالجص والآجر.
وقال عبد الله بن الزبير : من كان يطلب عمرو بن الزبير بشيء فليأتنا نقصّه منه ، فجعل الرجل يأتي فيقول : نتف أشعاري ، فيقول : انتف أشعاره ، وجعل الآخر يقول : نتف حلمتي ، فيقول : انتف حلمته ، وجعل الرجل يأتي فيقول : لهزني ، فيقول : الهزة ، وجعل الرجل يقول : نتف لحيتي ، فيقول : انتف لحيته.
وكان يقيمه كلّ يوم يدعو الناس إلى القصاص منه سنة ، فقام مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف فقال : جلدني مائة جلدة بالسياط ، وليس بوال ، ولم آت قبيحا ، ولم أركب منكرا ، ولم أخلع يدا من طاعة ، فأمر بعمرو أن يقام ، ودفع إلى مصعب سوطا ، وقال له عبد الله بن الزبير اضرب ، فجلده مصعب مائة جلدة بيده.
فتعكر جسد عمرو فمات ، فأمر به عبد الله فصلب.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أخبرنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد قال : وقرئ على سليمان بن إسحاق بن الخليل الجلّاب ، نا الحارث بن أبي أسامة ، قالا : نا محمّد بن سعد (٢) قال :
ثم صح من بعد ذلك ـ وقال الحارث : من ذلك ـ الضرب ، ثم مرّ به عبد الله بن الزبير بعد أن أخرجه من السجن جالسا بفناء المنزل الذي كان فيه ، فقال : أبا يكسوم؟ ألا أراك حيا؟ فأمر به فسحب إلى السجن ، فلم يبلغ حتى مات ، فأمر به عبد الله فطرح في شعب الجيف ، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بن الزبير بعد.
__________________
(١) سجن عارم : قال ياقوت : ولا أعرف موضعه ، وأظنه بالطائف (كذا ، في معجم البلدان).
(٢) طبقات ابن سعد ٥ / ١٨٦.