كتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إليه ـ يعني عبد الله بن الزبير ـ جندا ، فسأل عمرو بن سعيد : من أعدى الناس لعبد الله بن الزبير؟ فقيل : أخوه عمرو بن الزبير ، فولّاه شرطه بالمدينة ، فضرب ناسا كثيرا من قريش والأنصار بالسياط ، وقال : هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير ، وفرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة ، ثم وجّهه إلى عبد الله بن الزبير في جيش من أهل الشام ، ألف رجل وأمره بقتاله.
فمضى عمرو بن الزبير حتى قدم مكة ، فنزل بذي طوى (١) ، وأتى الناس عمرو بن الزبير يسلّمون عليه ، وقال : جئت لأن يعطي عبد الله الطاعة ليزيد ويبر قسمه ، فإن أبى قاتلته ، فقال له حنين (٢) بن شيبة : كان غيرك أولى بهذا منك ، تسير إلى حرم الله وأمنه ، وإلى أخيك في سنه وفضله تجعله في جامعه ، ما أرى الناس يدعونك ما تريد ، قال : أرى أن أقاتل من حال دون ما خرجت له.
ثم أقبل عمرو فنزل داره عند الصّفا وجعل يرسل إلى أخيه ، ويرسل إليه أخوه ، فيما قدم له ، وكان عمرو يخرج فيصلّي بالناس ـ وعسكره بذي طوى ـ وابن الزبير معه يشبك أصابعه في أصابعه ، ويكلّمه في الطاعة ، ويلين له الكلام ، فقال عبد الله بن الزبير : ما بعد هذا شيء ، إنّي لسامع مطيع ، أنت عامل يزيد وأنا أصلّي خلفك ، ما عندي خلاف ، فإما أن تجعل في عنقي جامعة ، ثم أقاد إلى الشام ، فإنّي نظرت في ذلك فرأيته لا يحلّ لي أن أحل بنفسي ، فراجع صاحبك واكتب إليه ، قال : لا والله ما أقدر على ذلك.
فهيأ عبد الله بن صفوان قوما كانوا معدّين مع ابن الزبير من أهل السراة وغيرهم ، فعقد لهم لواء ، وخرج عبد الله بن صفوان من أسفل مكة من اللبط ، فلم يشعر أنيس بن عمرو الأسلمي ـ وهو على عسكر عمرو بن الزبير ـ إلّا بالقوم ، فصاح بأصحابه ـ وهم قريب على عدة ـ فتصافوا فقتل أنيس بن عمرو في المعركة ، ووجّه عبد الله بن الزبير مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف في جمع إلى عمرو بن الزبير فلقوه ، فتفرق أصحابه عنه ، وانهزم عسكره من ذي طوى ، وجاء عبيدة بن الزبير إلى عمرو بن الزبير فقال : أنا أجيرك من عبد الله ، فجاء به إلى عبد الله أسيرا والدم يقطر على قدميه ، فقال : ما هذا الدم؟ فقال له :
لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
|
ولكن على أقدامنا يقطر الدّم (٣) |
__________________
(١) واد بمكة (راجع معجم البلدان).
(٢) في «ز» : جبير بن شيبة.
(٣) في ابن سعد : «تقطر الدما.» ونسبه بحواشي المختصر : للحصين بن الحمام المري.