القنديل الأسود ، فقال : يا عمرو إن الجارية هذه غشه وكفره ، قلت له : فداك أبي وأمّي ما لك وهؤلاء القوم؟ فقال : يا عمرو إنّ الجارية التي رأيت في الخباء هي الفارعة ابنة المستورد ، وكان رجلا من الجن ، وكان مؤاخيا لي ، وكان على دين المسيح عليهالسلام ، وهؤلاء قومها يغزوني (١) كل سنة منهم رجل فينصرني الله عليهم ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فانطلقنا حتى إذا أمعنّا في البرية فقال : يا عمرو قد رأيت ما كان مني وأنا جائع ، فالتمس لي شيئا آكله ، فالتمست فما وجدت له إلّا بيض النعام ، فأتيته وهو نائم قد توسّد إحدى يديه وتحته سيفه ، وهو سيف طوله سبعة أشبار ، وعرضه أقل من شبرين ، وهو الصّمصامة ، فاستخرجت سيفه من تحته فضربته ضربة قطعته من الساقين فقال لي : يا غدّار ما أغدرك ، فلم أزل أضربه حتى قطّعته إربا إربا ، فغضب عمر رحمة الله عليه وقال : أنا أقول كما قال العبد الصالح : يا غدّار ظفر بك رجل من المسلمين فأنعم عليك ثلاث مرات ، ووجدته قائما فقتلته ، والله لو كنت مؤاخذك في الإسلام بما فعلت في الجاهلية لقتلتك أيامه (٢) ، ثم أنشأ عمر رضياللهعنه يقول :
إذا قتلت أخا الإسلام بظلمة |
|
إذا لما جبيته في سالف الحقب |
الحرّ يأنف مما أنت تفعله |
|
تبّا لما جئته في العجم والعرب |
لو كنت آخذا في الإسلام ما فعلت |
|
أهل الجهالة والإشراك والصّلب |
فقال اليوم من كفي مطالبة |
|
يدعي لذائقها بالويل والحرب |
ثم قال : ما كان من حديثه يا عمرو : قال : فأتيت الخيمة ، فاستقبلتني الجارية ، فقالت : يا عمرو ما فعل الشيخ؟ قلت : قتله الحبشيّ ، قالت : كذبت ، بل قتلته أنت يا غدّار ، ثم دخلت الخيمة فجعلت تبكيه وهي تقول :
عين جودي لفارس مغوار |
|
واندبيه بواكفات غزار |
سبع وفي عهر (٣) حم |
|
ورئيس الفجار يوم الفجار |
لهف نفسي على لقائك يا عمرو |
|
أسلمته الحماة للأقدار |
بعد ما حزّ ما به كنت تسمو |
|
في زبيد ومعشر الكفار |
ولعمري لو رمته أنت حقا |
|
رمت منه كصارم بتّار |
__________________
(١) الأصل : يغزون ، والمثبت عن م.
(٢) كذا بالأصل ، ورسمها في م غير واضح.
(٣) كذا بالأصل وم : وفي عهرحم.