وما قدر أبوه أن يجعله ولى عهده من بعده ، محاذرة على خاطر زبيدة من ذلك ؛ فجعل محمد الأمين ولى عهده فى سنة ١٧٥ ه ، ولقبه بالأمين وعمره يومئذ سنين ، تحرص أمه زبيدة على ذلك.
وجعل عبد الله المأمون ولى العهد بعد محمد الأمين ، فى سنة ١٧٩ ، وولاه ممالك خراسان بأسرها ، وعهد إلى ولده في الثالث فى سنة ١٨٩ ، وولاه الجزيرة والثغور وهو صبى ، ولقبه المؤتمن ، وقسم مملكته بين هذه الثلاثة ، فقالت العقلاء : لقد ألقى بينهم ، وأضر الرعية بهم.
قال عبد الملك بن صالح :
الله قلدها هارون خلافته |
|
لما اصطفاه فأحيا الدين والسننا |
وقلد الأمر هارون لرأفته |
|
بنى أمينا ومأمونا ومؤتمنا |
وطوى الرشيد الملك عن ولده الرابع ، وهو المعتصم ؛ لكونه أميا ، فأراد الله تعالى خلاف ما أراد به الرشيد ، وقتل محمد الأمين على يد عبد الله المأمون ، وصارت الخلافة بعد المأمون إلى محمد المعتصم ، ساقها الله تعالى إليه وجعل الخلفاء كلهم من نسله ، ولم يجعلها من غير نسله من أولاد الرشيد ، وأن الملك بيد الله يومئذ يؤتيه من يشاء.
وكان الرشيد لما كمل عهده لأولاده المذكورين ، فبايعوهم وعاهدوهم ، وكتب بذلك عهدا محكما ، وكتابا مبرما ، ووضع الأعيان والأكابر والأركان والأمراء والكبراء خطوطهم عليه ، وجهزهم إلى بيت الله تعالى ، وأمر بتعليقه فى وسط الكعبة الشريفة ليشتد الوثوق به ، ولا يقع خلافه.
وفى ذلك قال إبراهيم الموصلى :
خير الأمور معية |
|
وأحق الأمر بالتمام |
أمر قضى أحكامه |
|
مولاى فى البيت الحرام |
ولم يغن ذلك التدبير عما رقمه فلم التدبير فى لوح المقادير ، والله على كل شىء قدير: