ولو كانت الدنيا تنال بغبطة |
|
وتدبير رأى نيل أعلى المطالب |
ولكنما الأقدار تجرى بقدرة |
|
من الله لا يجدى تدابير طالب |
قال شيخ شيوخنا الحافظ السيوطى (رحمهالله تعالى) ، وذكر محمد بن الصباح الطبرى : أن أباه شيع الرشيد من خراسان إلى النهروان ، فجعل يحادثه فى الطريق ، ويشكو الرشيد همومه ، ويتنفس عنده نفاثات الصدور إلى أن قال له : يا صباح ، أظنك لا ترانى بعد هذا ، فقلت : بل يطيل الله عمر أمير المؤمنين ، ونفديه بأرواحنا ويعيش سالما من الآفات ، فقال : إنك لا تدرى ما أجد ، فقلت : لا والله ، فقال : تعالى حتى أريك ما أخفيه عن غيرك ، وتنحى عن الطريق ، وأومأ إلى من عنده بالتنحى عنه ، فأبعد عنهم وهم يرمقونه بطرف خفى ، ثم قال : أمانة الله يا صباح اكتم امرى ، فقلت : نعم ، فكشف عن بطنه ، فإذا عصابة جرير عريض معصوبة على بطنه ، فقال : اكتمها عن كل أحد وحولى رقباء ، وكل واحد من أولادى يعدون أنفاسى علىّ.
فمسرور رقيب المأمون ، وجبريل بن يختيشوع رقيب الأمين ، وفلان ، وعد ثلاثا ، والسينة رقيب المؤتمن ، وكل منهم يحصى أيامى وساعاتى ، ويستطيل عمرى وحياتى ، ويظهر ذلك الآن منهم ، فإن طلبت برذونا لركوبى ، فيأتون به أعجف ضعيفا ، يزيد فى علتى ، ويضاعف علىّ مرضى ، ثم طلب منهم برذونا لركوبه ، فأتوه ببرذون عاجز منقطع يتعب راكبه ، كما ذكر ـ وهو يدارمهم ويصبر على ما يكابده منهم ، فنظر إلىّ نظرة حزين مكروب وركب ذلك البرذون ، فقبلت رجله وأودعته ، وفارقته ، وهم ينظرون إلىّ نظرة خفت عاقبتها ، وكف الله تعالى شرهم.
واستمر الرشيد عليلا إلى أن بلغنى وفاته بطوس (رحمهالله تعالى) انظر إلى هذا الملك الجليل ، والخليفة النبيل ، والسلطان الذى قل أن يوجد له مثيل ، وهو عاجز فى يد غلمانه مغلوب عليه فى ملكه وسلطانه متحسر على عظم شأنه ، متأسف على علو مكانه ، بيده خزائن الأرض ، وما يملك منها نقيرا ولا قطميرا ، ولا يقدر على شىء ، وكان ربك قديرا.