وذلك فى سنة ٣٣ ه ، ثم كثرت الفتن بمصر من الأمراء الظاهرية مماليك الظاهر برقوق والاختلافات إلى أن ضجر فرج من ذلك وهرب من القلعة سادس ربيعي الأل سنة ٨٠٨ ه ، واختفى عند سعد الدين بن غراب أحدووس أطباشيرين فأخفاه عنده ، فلما أصبحوا الأمراء وفقدوا السلطان أقاموا فى السلطنة أخاه الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق بن أنص ثالث ملوك الجراكسة فتلاشت أمور المملكة فى أيامه لصغر سنه واختلاف أمراء دولته ، وكيف يستقيم الملك مع الخلاف؟! والحال أنه : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١).
وكان مدة الملك المنصور شهرين وعشرة أيام ، فظهر الملك الناصر فرج بعد هروبه ، واختفائه ، وركب معه أمراء من مماليك أبيه ، وأخذ القلعة بالحراف من الملك المنصور عبد العزيز ، وسلطن ثانيا فى يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الأخرة سنة ٨٠٨ ه ، وبقى أخوة الملك المنصور عبد العزيز وأخا له اسمه إبراهيم إلى الأسكندرية متوفيا بها فى ليلة الاثنين ثالث ربيع سنة ٨٠٩ ه ، واتهم الناصر بقتلهما ـ والله أعلم بذلك ـ وأحكم ثم صار الملك الناصر فرج يتبع أعداءه من الأمراء فصار بقتلهم واحدا بعد واحد فهجموا عليه وخرجوا عن طاعته وقاتلوه ، فهزمهم وخرجوا عنه إلى الشام فتبعهم ، وصاروا به كرون به ويهربون عنه ويتعبونه فى طلبهم ـ مع غاية الاحتراز منه ـ والحرب خداع ـ ومخالقة الجم الغفير والجم الكثير لا يستطاع ـ إلى أن مل منه الخدم والأتباع وتفرقوا عنه وسموا من الأتباع وهو يتبعهم فى الجد والطلب إلى أن صادفوه ـ فى طلبهم ـ بعد التعب والدب ، وهو ومن معه أتعبوا خيولهم فى طلب العدو من العشا إلى الصباح ، وأشرفوا فى الصبح على الأمراء والعصاة عليه وهم بطول الليل بالراحة والارتياح ، فحمل السلطان الناصر ومن معه ، وهم نفر قليلون حقيرون على أمرائه العاصين له ـ وهم متوفرون كثيرون العدو ـ فمنعه أصحابه من هذه الحملة ، وعلموا أنهم ومن
__________________
(١) الآية رقم ٢٢ من سورة الأنبياء ، مكية.