شيخ الإسلام مولانا القاضى برهان الدين إبراهيم بن على بن ظهيره الشافعى ـ يومئذ ـ بمكة طيب الله ، فتهيأ هو والسيد الشريف محمد بن بركات لملاقاة السلطان ، فإن القصاد أخبروا أنهم فارقوه من عقبة إيلياء ، وهو نهاية الربع الأول من طريق الحج ، فأرسل مولانا الشريف أحد قواده بسيفه إلى ملاقاة السلطان بسماط ملوى ، فوصل إلى الحوذى ولاقاه السلطان ، مد له السماط الحلوى هناك ، فوصل عليه السلطان بنفسه وأظهر عليه اللطف والمجابرة ، وأكل ، وقسم على أمرائه وعسكره ، وكان سماطا كبيرا جميلا.
ويحكى من لطافة السلطان قايتباى : أنه لما جلس على السماط تناول شيئءا من الحلوى يقال له : كل واشكر ، فقال له : سلم على سيدك ، وقل له : أكلنا وشكرنا.
ثم لما وصل السلطان إلى الينبع عدل منه إلى المدينة لزيارة النبى صلىاللهعليهوسلم وتوجه إليها ، وكان قد خرج لملاقاته سيدنا ومولانا الشريف محمد بن بركات ، وولده السيد هيزع بن محمد ، ومولانا القاضى إبراهيم ظهيره الشافعى ، وابنه القاضى أبو السعود ، وأخوه القاضى أبو البركات بن ظهيره قاضى جدة.
فبلغهم فى أثناء الطريق أن السلطان عدل إلى زيارة النبى صلىاللهعليهوسلم ، فتوجهوا إلى منزلة بدر وأقاموا به منتظرين عود السلطان من المدينة الشريفة.
قال السيد على السمهودى فى تاريخه الكبير : «حج السلطان قايتباى فى سنة ٨٨١ ه ، وبدأ بالمدينة النبوية لزيارة التربة المصطفوية (على الحال بها أفضل الصلاة والسلام) ، فقدمها طلوع الفجر من يوم الجمعة الثانى والعشرون من ذى القعدة الحرام ، فلبس فى حولها حلل التواضع والخشوع ، وتحلى ما يجب لتلك الحضرة النبوية من الهيبة والخضوع ، فترجل عن فرسه عند باب سورها ، ومشى على أقدامه بين ارتباعها ودورها حتى وقف بين يدى الجناب الرفيع الحبيب (عليه أفضل الصلاة والسلام) ، وناجاه بالتحية والتكريم ، وفاز من ذلك بالحظ الجسيم ، ثم ثنى بصحبيه رضياللهعنهما بعد أن صلى بالروضة الشريفة التحية ، وعفر جبهته فى ساحتها السنية ،