الفساد ، وطغوا فى البلاد ، وصار هو يصادر الناس ويأخذ أموالهم بالقهر والبأس ، وكثرت العوانية فى أيامه لكثرة ما يصغ إليهم.
وصاروا إذا شاهدوا واحدا توسع فى دنياه ، وأظهر التجمل فى ملبسه ومثواه فشوا به إلى السلطان فيرسل إليه الأعوان ، ويطلبه بالقرض ويستصفى أمواله ، ويسلمه إلى الوباشا ليأخذ ماله ويهلك أهله وعياله ، ويعذبه بأنواع الإسكنجة إلى أن يصير فقيرا بعد غناه ومعدوما بعد أثرته واستغناه.
وجمع من هذا الباب أموالا عظيمة وجزايل وسيعة ذهبت فى أخر الأمر سدى ، وتفرقت بيد العذا ، وتمزقت بددا ، وهكذا كل مال يؤخذ على هذا الأسلوب ، ويجمع بهذا الطريق المنكوب لا ينفع من جمعه بل يضر صاحبه ويهلك معه وهيهات!
لن ينفع مال حصل ما بين كل خزين ، وسلبت بالقهر والقسر من كل مظلوم مسكين ، وكيف ينفع سالبه؟ وما نفع صاحبه!! وينتهى به من اكتسبه على هذا الوجه وأبكى كاسبه إلا إن مالا كان من غير حيلة سيخرب يوما أهله وأقاربه.
وأما الميزان : فبطل من أيامه وصار إذا مات أحد يؤخذ له جميع سلطته ، ويترك أولاده فقراء إلا اغتنابه كثيرا فعل له قدرا يسيرا من مال أبيه ، وأخذ لنفسه باقية ، واشتد طمعه ، وكثر ظلمه من أخر أيامه ، فاستجاب الله فيه دعاء المظلومين.
(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١).
حكى لى والدى رحمهالله عن شخص حجاب الدعوة من ألوياء الله تعالى أنه : رأى عهد فى آخر أيام السلطان الغورى حينئذ يأمن الجراكسة الجلبان أخذ منا عافر دلال ، ولم يرضه فى قيمته ، فتبعه الدلال يطلب منه حقه ـ وهو ممتنع ـ فقال الدلال : بينى وبينك شرك الله ، فضربه بالدبوس
__________________
(١) الآية رقم ٤٥ من سورة الأنعام ، مكية.