ففتح رأسه ، وقال : هذا شرع الله فسقط الدلال مغشيا عليه ، ومضى الجندى بالمتاع ، وما قدر أحدا من المسلمين على منعه.
قال الرجل : فصعب علىّ مشاهدة هذا الحال فرفعت بيدى إلى الله تعالى ودعوت على الجندى المذكور وعلى سلطانه وعلى الظلمة من أعوانه فصادفت ساعة الإجابة ، وبت تلك الليلة على طهارة ، وأنا أفكر فى أمرهم ، وحدثت نفسى بذلك وأقول : كيف يزول ملك هذا السلطان العظيم؟ وقد ملأت جنوده الأرض وأتى للمسلمين بسلطان آخر يترفق بالرعايا وتطمئن فى دولته البرايا؟
وأخذ فى النوم فنمت فرأيت فيما يرى النائم : ملائكة نزلت من السماء وبأيديهم مكانس وهم يكنسون الجراكسة من أرض مصر ، ويلقونهم فى بحر النيل ، واستيقظت من النوم فإذا بقارئ بقراء القرآن فأنصت إليه ، فإذا هو يقرأ قوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ)(١).
فعلمت أن الله يأخذهم أخذا وبيلا ، فمضى قليل إلا وبرز الغورى بجنوده وأمواله ، وخزائنه من مصر لقتال المرحوم المغفور له السلطان سليم خان إلى حلب ، فجاء الخبر بعد قليل بأنه كسر وقتل جنوده ، وفقد تحت سنابك الخيل فى «مرج دابق» ، وهرب بقية السيوف من الجراكسة إلى مصر ، وصيروا الدوادان طومان باى سلطانا ، والسلطان سليم فى أثرهم يفتح البلاد ويضبطها إلى أن وصل إلى «الريدانية» خارج مصر فخرج طومان باى ومن معه إلى قتاله ، فما حمل هو ومن معه ساعة إلا وانكسر ، وأدخل السلطان سليم خان إلى مصر ، وضرب أوطاقه فى الجزيرة الخضراء على ساحل النيل ، وهرب طومان باى إلى البر الشرقية ، ومسكه شيخ العرب وجاء به أوطاف السلطان سليم فأمر يصلبه فى باب «زويلة» ليروه الناس ويصدقون بقتله ، لأن الناس لا يصدقون بأنه مسك ، وصاروا يزعمون بأنه اختفى ليحصل له فرصة فيخرج.
__________________
(١) الآية رقم ١٣٦ من سورة الأعراف ، مكية.